نهاية الهيمنة الأمريكية: آفاق جديدة لقوى صاعدة
القاهرة: هاني كمال الدين
تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو نهاية هيمنتها العالمية، حيث بدأت العديد من الدول في الابتعاد عنها، وفقًا لتقرير Focus الذي يشير إلى أن “القرن الأمريكي” قد أوشك على الانتهاء. هذا التحول يأتي بعد عقود من الهيمنة، حيث تحولت الولايات المتحدة من أكبر قوة اقتصادية إلى أكبر مقترض في العالم، مع وجود أخطاء فادحة في سياستها الخارجية أودت بحياة ملايين الأشخاص.
تاريخ الهيمنة: من روما إلى الولايات المتحدة
تاريخ البشرية يوضح أن لقب “القوة العظمى” ليس دائمًا مضمونًا. فقد زالت الإمبراطورية الرومانية في خضم الفوضى، وتفككت الإمبراطورية البريطانية التي كانت تمتد على 25% من سطح الأرض. كذلك، فإن الثورة العالمية الشيوعية التي قادها فلاديمير لينين وصلت إلى بلدان مثل أنغولا وكوبا وألمانيا الشرقية، ولكنها انتهت مع انهيار الاتحاد السوفيتي. وأيضًا، حلم هتلر بالسيطرة على العالم قُتل في معركة ستالينجراد.
بعد هزيمة هتلر ولينين، أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية السائدة في نهاية القرن العشرين. وفي مقال له عام 1941، دعا هنري لوس، رئيس تحرير مجلة “تايم”، الأمريكيين إلى تبني دورهم كقوة محورية في العالم، قائلًا: “حان الوقت لنصبح مركز القوة الذي تنبثق منه القيم في جميع أنحاء العالم”. وقد حث الأمريكيين على التخلي عن فكرة العزلة والسعي لتحقيق الريادة العالمية.
فشل الطموحات الأمريكية تحت قيادة ترامب
مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، تراجعت طموحات الهيمنة الأمريكية. فمع بداية سياسة “أمريكا أولاً”، بدأت الولايات المتحدة في الابتعاد عن التزاماتها الدولية، وأصبحت أكبر مستورد وأكبر مقترض في العالم. كما أن الأخطاء في السياسة الخارجية، بدءًا من حرب فيتنام إلى الحملات العسكرية في العراق، أدت إلى تفاقم هذه الأزمة.
تتراجع تأثيرات واشنطن على الساحة الدولية، وتتآكل ولاء الحلفاء. أصبح “القرن الأمريكي” الذي بلغ ذروته في عام 1990 مع نهاية الحرب الباردة، يقترب الآن من نهايته. تتجه الدول نحو البحث عن مسارات جديدة بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
إسرائيل: التحولات في الشرق الأوسط
من الملاحظ أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يراقب بقلق تزايد الاستقلالية الإسرائيلية في اتخاذ القرارات العسكرية. فقد قامت إسرائيل مؤخرًا بشن هجمات على لبنان، بما في ذلك عملية اغتيال قائد “حزب الله”، حسن نصر الله، دون استشارة واشنطن. يبدو أن بنيامين نتنياهو يسعى إلى تحقيق أهدافه الانتقامية بدلاً من السلام، مما يجعل الوضع في الشرق الأوسط أكثر احتدامًا.
الهند: السعي للقيادة العالمية
في غضون ذلك، عكست زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للولايات المتحدة مؤخرًا مسافة بلاده عن البيت الأبيض. إذ تستورد الهند كميات كبيرة من النفط الروسي، بينما تشتري الأسلحة من موسكو. تسعى الهند لتأكيد نفسها كقوة رائدة للدول غير المنحازة، متمسكة بمفهوم “الاستقلال الاستراتيجي”.
الصين: التنافس المتزايد
العلاقات بين الصين والولايات المتحدة التي بدأت بتقارب تاريخي منذ زيارة نيكسون وكيسنجر، أصبحت الآن أكثر توترًا. تسعى بكين لتفوق واشنطن في مجال التكنولوجيا، بينما تحاول الأخيرة تقليل اعتمادها على الصين. الصين تستغني عن احتياطياتها بالدولار، مما يحرم الولايات المتحدة من أكبر دائنيها، في حين تفرض واشنطن رسومًا على الصادرات التكنولوجية الصينية.
تركيا: البعد عن الولايات المتحدة
على الرغم من كونها عضوًا في الناتو، إلا أن تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان تتجه بعيدًا عن الولايات المتحدة، خاصة بعد شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية S-400. هذا التوجه يعكس أيضًا مواقف تركيا تجاه النزاع السوري، خاصة مع الجماعات الكردية المدعومة من أمريكا التي تعتبرها أنقرة تهديدًا.
السعودية: نهاية الاعتماد
لم يعد ولاء السعودية للولايات المتحدة كما كان سابقًا. شهدت المملكة تحولًا كبيرًا بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث تراجعت عن الالتزام بتلبية احتياجات أمريكا فيما يتعلق بإنتاج النفط. بل إن السعودية بدأت في تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، خاصة في مجال الطاقة.
أوروبا: السعي نحو السيادة
بدأت أوروبا أيضًا في تغيير سياساتها من أجل تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. أكدت أورسولا فون دير لاين على ضرورة أن تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها، في حين يستمر الأمريكيون في تحمل العبء الأكبر من تكاليف الدفاع عن الحلفاء الأوروبيين. مع هذه التحولات، تقترب نهاية الهيمنة الأمريكية، وتظهر ملامح عصر جديد من عدم اليقين.
نحو عصور جديدة
يبدو أن العالم يتجه نحو تحول جذري في الهيمنة والنفوذ، مما يفتح آفاقًا جديدة لقوى جديدة للظهور. يبقى الأمل أن يتمكن العالم من تجاوز هذه التحديات المعقدة، وأن يجد طرقًا للتعاون والسلام في إطار النظام الدولي المتغير.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر