أخبار العالم

السلطات السورية الجديدة ومبررات الحفاظ على العلاقات مع روسيا

عاد الجدل حول العلاقة بين دمشق وموسكو بعد سقوط نظام الأسد إلى الواجهة مجدداً، وذلك عقب نشر وكالة أنباء تقريراً نقلاً عن مصادر حول القضايا التي جرت مناقشتها خلال محادثات الرئيس السوري أحمد الشرع، مع ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، أثناء زيارته دمشق على رأس وفد رفيع المستوى في نهاية شهر كانون الثاني الماضي.

إن تعبير كثيرين عن عدم الرضا إزاء الميول الإيجابي الذي أبدته السلطات السورية الجديدة فيما يخص العلاقة مع موسكو يُعد أمراً طبيعياً، بالنظر إلى الدور الذي لعبته روسيا في دعم الأسد خلال السنوات الماضية. إلا أن مرحلة ما بعد سقوط الأسد، وتولي الإدارة العسكرية زمام الأمور، في وقت تحتاج فيه سوريا إلى كل دعم إقليمي ودولي ممكن، دفع السلطات إلى اتخاذ قرارات لا تحظى بتأييد واسع على المستوى العام. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه القرارات مصيرية، نظراً لتأثيرها المباشر على المرحلة الحالية، وعلى عملية بناء الدولة السورية واستعادة موقعها ومكانتها إقليمياً ودولياً.

خيارات السلطات الجديدة للعلاقة مع روسيا

عند اتخاذها القرار بإطلاق عملية “ردع العدوان”، وجدت الإدارة العسكرية نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما فيما يتعلق بالتواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية: إما مهاجمة تلك القواعد، أو تجنبها وترك الأمر لما بعد التحرير. وكانت تدرك أيضاً أن لكل خيار نتائج وتداعيات سيتعين التعامل معها لاحقاً.

الخيار الأول: استهداف القواعد الروسية والمواجهة المفتوحة مع روسيا

كان بوسع فصائل المعارضة، أثناء تقدمها نحو دمشق بالتزامن مع اختراقها عمق طرطوس واللاذقية، أن تهاجم القواعد الروسية هناك. لكن من الواضح أن هناك إدراكاً بأن مثل هذه الخطوة لم تكن لتمر دون تداعيات خطيرة، وربما مصيرية، على مسار العمليات العسكرية.

 

وأقل ما يمكن قوله في هذا السياق، هو أنه لو تدخلت روسيا مجدداً في المواجهة، فإن الفصائل كانت ستنجر إلى “معركة جانبية”، تستهلك جزءاً كبيراً من قواتها الفاعلة، وتؤدي إلى تعطيل تحقيق الهدف الرئيسي لعملية “ردع العدوان”، وهو إسقاط النظام. وفي أسوأ السيناريوهات، كان فتح مواجهة مع روسيا سيشكل تهديداً حقيقياً لاستمرار معركة التحرير ضد النظام.

استبعاد خيار “المواجهة” مع روسيا منذ الأيام الأولى لعملية “ردع العدوان”

لا أحد يعرف بدقة ما الذي جرى وكان يجري قبل وخلال الأيام الأولى لعملية “ردع العدوان”، فيما يخص مسألة خيارات التعامل مع الوجود العسكري الروسي في مختلف المدن السورية. لكن الواضح أن إدارة العمليات كانت قد حددت مسبقاً أن الهدف من العملية هو التقدم تدريجياً حتى الوصول إلى دمشق، والإطاحة بنظام الأسد، وعدم الدخول في أي معارك جانبية، الأمر الذي تطلب “تحييد” الدور الروسي.

وتؤكد على ذلك تصريحات أدلى بها أحمد الشرع في 15 ديسمبر لوسائل الإعلام من دمشق، عن العلاقة مع روسيا، حيث كشف حينها أن “إدارة العمليات حاولت موازنة الأمور مع الروس أثناء المعارك”. وأضاف أن “الإدارة العسكرية” أرسلت إلى روسيا رسائل عبر وسطاء بأن ضرب قواعدها وارد، لكنها تفضّل إعطاء فرصة للطرفين من أجل بناء علاقة جديدة”.

ولم تكن تركيا بمنأى عن جهود تحييد الدور الروسي عن المعركة، إذ وصف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، السياسة التي اتبعتها روسيا خلال تغيير السلطة في سوريا بالعقلانية، وقال: “كان لدى الروس القدرة العسكرية للرد وكان بإمكانهم استخدامها، لكنهم قرروا عدم القيام بذلك. وكانت لدينا اتصالات مكثفة بشأن هذه المسألة. والحقيقة أنهم تصرفوا بعقلانية”. وأضاف أن روسيا “لم تتدخل أثناء سقوط دمشق”.

ما هي مصلحة سوريا في عدم التصعيد مع روسيا؟

تحييد احتمالات الانخراط الروسي في المواجهات سمح لفصائل المعارضة، التي كانت تتحرك في وضح النهار على شكل أرتال طويلة من السيارات المحمولة دون غطاء جوي، بمتابعة تقدمها نحو دمشق دون أن تتعرض لقصف جوي أو صاروخي. فضلاً عن أن الفصائل، بفضل هذا القرار، لم تضطر إلى تشتيت قواها، ولم تنجر إلى معركة جانبية تعطل، أو ربما تحول بشكل تام دون إمكانية المضي نحو تحقيق الهدف الرئيسي للعملية، أي الوصول إلى دمشق لإسقاط النظام.

سياسياً، من الواضح للجميع أن سوريا المنهكة بعد إسقاط النظام ليست بحاجة إلى قرارات تؤدي إلى خلق أعداء، لا سيما وأن الحديث يدور حول دولة عضو دائم في مجلس الأمن، هي روسيا، التي تربطها في الوقت نفسه علاقات طيبة مع حلفاء رئيسيين للسلطات في دمشق، وفي مقدمتهم تركيا وعدد من دول الخليج العربي.

في الوقت نفسه، فإن عدم إغلاق الأبواب مع موسكو، وسط المشهد الدولي المعقد، يمنح دمشق قدرة على المناورة، بحيث لا تجد سوريا نفسها رهينة لعلاقاتها مع الغرب، الذي لم تكن انعطافته نحو دمشق بعد التحرير خالية من الإملاءات، سواء على صعيد السياسة الداخلية لسوريا وكيف يجب أن تكون، أو على صعيد السياسة الخارجية للدولة.

على الجانب الآخر، تعاملت روسيا مع الوضع الجديد بواقعية، بما في ذلك على لسان الرئيس بوتين، حين قال في حديثه حول مصير القواعد الروسية في سوريا: “إذا بقينا هناك، فهذا يعني أنه يتعين علينا أن نفعل شيئاً لمصلحة البلد الذي نتواجد فيه. ما هي المصالح التي ستعود علينا، وما الذي يمكننا أن نفعله من أجلها، هذا هو السؤال الذي ينتظر بحثاً من الجانبين”.

كما تحاول موسكو التأكيد على تفهمها للصعوبات التي تواجهها السلطات في دمشق، وتعبر عن موقف داعم للموقف السوري في قضايا مصيرية، وفي مقدمتها وحدة الأراضي السورية، ورغبة السلطات السورية في استقرار الوضع في البلاد. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد عبر مؤخراً عن رفض بلاده “الأفكار الانفصالية التي تم تغذيتها في سوريا في ظل الإدارة الأميركية السابقة”، في إشارة إلى “قسد” والدعم الذي تتلقاه من الأميركيين، محذراً من أن هذه النزعة “قد تؤدي إلى حرب كبرى في المنطقة”. وقال إن سوريا لم تعد تريد أن تكون أرضاً تُحلّ عليها المشاكل الجيوسياسية للاعبين الخارجيين.
 

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟