صناعة النفط العالمية تتهاوى: أرباح تتبخر واستراتيجيات إنقاذ تحت الضغط

القاهرة: هاني كمال الدين
تدخل شركات النفط العملاقة مرحلة دقيقة من تاريخها، مع تزايد التحديات الاقتصادية والتقلبات في أسعار النفط، ما أدى إلى تراجع كبير في الأرباح وإعادة النظر في استراتيجيات التوسع والتوزيعات النقدية. فمنذ ذروة الأرباح التي حققتها الشركات خلال أزمة أوكرانيا، عادت الظروف لتضغط على القطاع بقوة.
خسائر متلاحقة تهز الكبار
تشير تقديرات الأسواق إلى أن أرباح الشركات الغربية الكبرى، مثل “شل”، “إكسون موبيل”، “بي بي”، “توتال إنيرجي”، و”شيفرون”، قد انخفضت بما يعادل 90 مليار دولار في غضون عامين فقط، وسط انخفاض مستمر في أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي.
الصدمة لم تتوقف عند الأرباح، بل طالت الإنفاق التشغيلي كذلك. فشركات الطاقة باتت تدرس تخفيض النفقات التشغيلية للمرة الأولى منذ عام 2020، ما يشير إلى نية جادة لتقليص الطموحات الاستثمارية وتقليص الإنتاج في بعض المناطق غير المربحة.
انهيار في أسعار النفط وتوقعات قاتمة
ترافق هذا التراجع في الأداء مع انخفاض سعر خام برنت إلى مستويات غير مسبوقة، متأثرًا بعوامل متعددة أبرزها وفرة الإمدادات من دول “أوبك+”، وتباطؤ النمو في الأسواق الناشئة، فضلًا عن الغموض الجيوسياسي المتصاعد، خصوصًا مع عودة التوجهات الحمائية في السياسات الاقتصادية الغربية.
تتوقع كبرى المؤسسات المالية أن يبلغ متوسط سعر برميل النفط في النصف الثاني من عام 2025 نحو 64 دولارًا، مقارنة بـ81 دولارًا في العام السابق. وهو ما يعني ضغوطًا مباشرة على السيولة النقدية للشركات، وقدرتها على الوفاء بتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم.
استراتيجيات النجاة: بين الواقعية والمجازفة
في محاولة لطمأنة الأسواق، أكدت شركة “شل” أنها ستواصل التزاماتها تجاه المساهمين، مشيرة إلى قدرتها على الحفاظ على توزيعات أرباح مستقرة حتى عند انخفاض سعر النفط إلى 40 دولارًا للبرميل. بينما أظهرت شركة “إيني” تحفظًا أكبر، مع إعلانها تقليصًا في نفقاتها بمقدار نصف مليار دولار.
أما شركة “بي بي”، فقد وجدت نفسها في مواجهة مع ضغوط متزايدة من صناديق استثمارية، بعد أن التزمت بتوزيع ما بين 30 و40% من التدفقات النقدية، وهو التزام يزداد صعوبة في ظل استمرار انخفاض الأسعار.
من جانبها، تبدو “إكسون موبيل” في موقع أقوى، بفضل محفظة استثمارية متينة وأصول طويلة الأجل. إلا أن محللين حذروا من أن تراجع السعر إلى ما دون 60 دولارًا قد يُجبر حتى الكبار على مراجعة سياساتهم التوزيعية، إن أرادوا الحفاظ على استقرارهم المالي حتى 2026.
الشركات الصغرى تعاني بشكل مضاعف
لم تكن الشركات الصغيرة والمتوسطة أفضل حالًا. ففي الولايات المتحدة، بدأت شركات النفط الصخري تشعر بثقل الأزمة، مع تراجع معدلات الحفر وتقليص عدد الموظفين في بعض الحقول.
أما شركات الخدمات النفطية مثل “هاليبرتون” و”بيكر هيوز”، فقد أطلقت تحذيرات مبكرة من احتمال تجميد المشاريع الجديدة، ما قد ينعكس سلبًا على سلاسل التوريد ومعدلات التشغيل في الحقول الكبرى.
الترقب يسيطر على المستثمرين
في هذا الأسبوع، تبدأ الشركات في إعلان نتائج الربع الأول من 2025، وسط حالة من الحذر والترقب في أوساط المستثمرين. فـ”بي بي” ستكشف عن بياناتها يوم الثلاثاء، تليها “توتال إنيرجي” يوم الأربعاء، ثم “شل”، “شيفرون”، و”إكسون” يوم الجمعة.
ورغم أن التوقعات تشير إلى أداء دون المستوى، إلا أن الأنظار تتجه نحو خطط الشركات المستقبلية، خاصة تلك المتعلقة بخفض التكاليف، وإعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية، وتعزيز الانضباط المالي.
مستقبل ضبابي.. والتحدي الحقيقي قادم
في ظل التغيرات المتسارعة، بات واضحًا أن صناعة النفط العالمية تقف على مفترق طرق. فإما أن تنجح الشركات الكبرى في التكيف مع الحقائق الجديدة عبر خفض الإنفاق وتعزيز الكفاءة، أو تجد نفسها أمام سنوات من التراجع والانكماش.
الرهانات الآن لا تدور فقط حول الأرباح، بل حول بقاء هذه الشركات على قيد المنافسة، في عالم يتغير فيه مزيج الطاقة بشكل جذري، ويزداد فيه الضغط للانتقال إلى مصادر أنظف وأكثر استدامة.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر