الفاتيكان يفرض العزلة الرقمية: صمت تام يسبق اختيار الحبر الأعظم

القاهرة: هاني كمال الدين
في لحظة استثنائية تترقبها أنظار العالم الكاثوليكي، قررت دولة الفاتيكان فرض عزلة رقمية شاملة قبيل انطلاق المجمع المغلق (الكونكلاف) لاختيار البابا الجديد، خلفًا للبابا الراحل فرنسيس. وبحسب ما نقلته شبكة CNN الأميركية، فإن السلطات البابوية ستقوم بإيقاف جميع خدمات الاتصال والإنترنت عبر الهواتف المحمولة داخل أراضي الفاتيكان اعتبارًا من الساعة الثالثة من بعد ظهر السابع من مايو، أي قبل ساعة ونصف من دخول الكرادلة إلى كنيسة السيستين التاريخية لبدء مراسم الانتخاب.
هذا الإجراء الصارم يهدف إلى ضمان السرية المطلقة لمسار التصويت، ومنع أي إمكانية للتسريب أو التأثير الخارجي خلال المرحلة الأشد حساسية في حياة الكنيسة الكاثوليكية.
انضباط كنسي صارم وسط أجواء من الترقب
يُعد الكونكلاف البابوي طقسًا بالغ الدقة والتقليدية في منظومة الفاتيكان، يُعقد خلف أبواب مغلقة، وتُمنع فيه كافة أشكال التواصل مع العالم الخارجي. لذلك، فإن قرار حظر الهواتف الذكية وتعطيل الاتصالات لا يُعد أمرًا مستحدثًا، بل يُجسد تشديدًا للإجراءات التي دأب الفاتيكان على اتباعها للحفاظ على قدسية اللحظة وشفافية الاختيار.
وسيقوم أكثر من 130 كاردينالًا ممن تقل أعمارهم عن 80 عامًا، قدموا من شتى أرجاء العالم، بالدخول إلى الكنيسة الشهيرة التي زُين سقفها بأعمال مايكل أنجلو، حيث سيبدأون جولات التصويت التي قد تستغرق عدة أيام قبل التوصل إلى توافق حول اسم البابا القادم.
وداع مؤثر للبابا فرنسيس… وبداية مسار جديد
وكان البابا فرنسيس قد توفي في 21 أبريل الجاري عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد فترة حبْرية حافلة امتدت لأكثر من عقد من الزمن، وطبعت الكنيسة خلاله بسِمات من الانفتاح والحوار مع العالم الحديث. وقد أقيم له قداس تأبيني مهيب في ساحة القديس بطرس يوم 26 أبريل، حضره آلاف المؤمنين ورجال الدين من مختلف الدول، ليُدفن لاحقًا في كنيسة سانتا ماريا ماجوري، وفقًا لوصيته الخاصة.
رحيل البابا أثار موجة من الحزن العميق في أوساط الكاثوليك حول العالم، وفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة بشأن هوية الخليفة القادم، واتجاهات المرحلة المقبلة في مسيرة الكنيسة العالمية.
اختيار الحبر الأعظم: بين التقاليد والتحديات المعاصرة
لا يُعد انتخاب البابا الجديد مجرد فعل طقوسي داخلي، بل حدثًا ذا أبعاد لاهوتية، روحية، وسياسية عميقة. فالبابا، بصفته خليفة القديس بطرس، لا يقود الكنيسة الكاثوليكية فحسب، بل يُعد رمزًا أخلاقيًا على الساحة الدولية.
ومن هذا المنطلق، يُنتظر من الكرادلة أن يختاروا شخصية تجمع بين الحكمة، الصرامة العقائدية، والانفتاح على قضايا العصر، لا سيما في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه المسيحية، سواء على صعيد تراجع نسب التدين في الغرب، أو تنامي الحركات العلمانية، أو تعقيدات الملفات الاجتماعية والأخلاقية الحديثة.
الكونكلاف… حين يتجلى صمت التاريخ
ستُغلق الأبواب الثقيلة للسيستين، وستُقفل نوافذ العالم، لتبدأ لحظة استثنائية يتنحى فيها كل صوت، وكل شاشة، ويُفسح المجال فقط لنبض الضمائر داخل قلوب الكرادلة. وداخل تلك القاعة المهيبة، حيث تُحيط بهم الجداريات التي جسّدت مراحل الخلق والدينونة، سيختارون الرجل الذي سيتولى قيادة كنيسة تتجاوز المليار مؤمن، وتُشرف على شبكة واسعة من المدارس والمستشفيات والمؤسسات الدينية حول العالم.
وسيبقى الملايين في العالم يترقبون إشارة الدخان الأبيض، التي ستنطلق من مدخنة السيستين لتُعلن للعالم: لقد تم انتخاب البابا الجديد.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر