منوعات

كيف يصارع مرضى السرطان في سوريا من أجل العلاج؟

كتبت/ مي عبد المجيد 

يعاني مرضى السرطان في سوريا مرّتين؛ مرة من ألم الأعراض والمضاعفات، ومرة أخرى من رحلة العلاج الطويلة والمكلفة والشاقة. فكثير من هؤلاء لا يقوى حتى على دفع أجور التنقل إلى المشفى، فضلاً عن أثمان الأدوية والفحوصات والصور والتحاليل، ناهيك عن الكلفة الباهظة للمعالجة الكيميائية والشعاعية.

وأمام هذا الواقع، يؤدي مشفى البيروني الجامعي دوراً مهماً في التخفيف من معاناة هؤلاء المرضى وذويهم، عبر تقديم مصفوفة كاملة من الإجراءات والخدمات الطبية، وفقاً لما هو متاح من الإمكانات، ومن خلال كادر طبي متخصص وذي خبرة. ومع ذلك، تبقى الآمال معقودة على مساهمات المجتمع الأهلي والدعم الدولي لتأمين الكلف المرتفعة التي يتطلبها العلاج، في ظل الازدياد المستمر بعدد المراجعين وطول مشوار التعافي.

احتياطي الجرعات الكيميائية بدأ بالنفاد

في هذا السياق، قال الدكتور رضوان الأحمد، مدير عام مشفى البيروني الجامعي، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: “مشفى البيروني هو مشفى أكاديمي وخدمي، يمثل المركز الأساسي لمعالجة الأورام في سوريا، ويتألف من قسمين: الأول في منطقة حرستا بريف دمشق، وهو القسم الرئيسي، والثاني في حي المزة بدمشق، ويضم قسم الطب النووي بجانب مشفى المواساة الجامعي، وتُجرى فيه المعالجات الشعاعية باستخدام المسرّعات الخطية (الكوبالت)”.

 

وأضاف الأحمد: “نستقبل في القسمين يومياً بين 600 إلى 700 مريض، بمن فيهم المراجعون الجدد الذين يحتاجون إلى تشخيص أولي، ومن بينهم ما بين 50 إلى 60% يتلقون الجرعات الكيميائية، والتي كان لدينا احتياطي منها، لكنه وللأسف بدأ ينفد”.

أكثر من 1200 مراجع يومياً

وحول أبرز أقسام المشفى، بيّن الدكتور الأحمد أن المشفى يتألف من 8 وحدات، وفي كل وحدة يوجد معالج شعاعي، ومعالج كيميائي، ومعالج جراحي، بالإضافة إلى أرشيف خاص بكل وحدة لخدمة المرضى. وأكد أن جميع الأضابير والمعلومات المتعلقة بالحالة الصحية للمرضى، بدءاً من القبول وحتى المعالجة، موثقة بدقة ضمن المركز الإحصائي في المشفى، والذي يزوّد الإدارة بتقارير شهرية.

636
د. رضوان الأحمد مدير عام مشفى البيروني الجامعي

وأشار إلى أن عدد المراجعين بدأ بالازدياد بعد استتباب الأمن، قائلاً: “يراجع المشفى يومياً أكثر من 1200 مراجع، وهناك من يحتاج إلى استقصاءات، ومن يتلقى المعالجة ويحتاج إلى المتابعة السريرية والمخبرية. وتشمل هذه المتابعة الفحوصات المتممة، التي نُسميها الاستقصاءات الشعاعية، مثل أجهزة التصوير الطبقي المحوري، والمرنان، وPET Scan، وهي للأسف غير متوفرة حالياً بسبب العقوبات. لدينا ثلاثة مواقع جاهزة لتركيب هذه الأجهزة حال تأمينها، ونأمل أن تُحل هذه المشكلة قريباً”.

“الحظر” يؤثر سلباً على رحلة العلاج

وفيما يتعلق بتأثير العقوبات، أكد مدير مشفى البيروني أن العقوبات المفروضة على سوريا أثرت بشكل كبير على توفر المستلزمات والأجهزة الطبية، ما انعكس سلباً على العمل، وخصوصاً في مجال المعالجات الشعاعية التي تشرف عليها هيئة الطاقة الذرية.

54

وأوضح أن المشفى يضم خمس مسرّعات خطية موزعة بين حرستا والمزة، منها مسرّعان عاليَا الطاقة، وثلاثة منخفضة الطاقة، إلى جانب أجهزة الكوبالت في قسم المزة. وجميع هذه الأجهزة تحتاج إلى صيانة وقطع تبديل دورية، في حين أن الحظر المفروض على المستهلكات الطبية والأدوية يترك أثراً بالغاً على المعالجات الورمية.

صورة أرشيفية - رويترز

وتابع الأحمد: “الأدوية الورمية تُعدّ من أهم العناصر في المشفى، ونحن نتبع في المعالجة خططاً عالمية دقيقة، إلا أن جزءاً كبيراً من هذه الأدوية قد نفد. فمعامل الأدوية الوطنية لا تغطي سوى نسبة ضئيلة، في حين يتم استيراد النسبة الأكبر، وتشرف وزارة الصحة على ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار هذه الأدوية مرتفعة جداً، ولهذا نخضع صرفها لضوابط صارمة ومعايير علمية بحتة”.

وأشار إلى مساهمة فريق طلابي يُدعى “الاستجابة السريعة الطلابية” في تأمين بعض الأدوية والمستهلكات الطبية، وهي مساهمة أهلية محلية. كما لفت إلى دور جمعية سورية-تركية تُدعى “الرحمة لمعالجة السرطان” في دعم المشفى أيضاً.

تجفيف منابع الفساد في زمن النظام المخلوع

وفيما يخص الإصلاحات الإدارية، أوضح الدكتور الأحمد أن إدارة المشفى اتخذت عدة إجراءات لمعالجة حالات الفساد والتقصير التي كانت سائدة في عهد النظام البائد. وقال: “تم تغيير مواقع بعض العاملين غير الملتزمين، وضبط صرف الأدوية بشكل صارم. وعلى المستوى الطبي، تم تحسين منظومة المعالجات الشعاعية، حيث خُفضت مدة انتظار المرضى من ستة أشهر إلى شهر واحد كحد أقصى، وهو إنجاز مهم من الناحيتين العلمية والإدارية، إذ ساهم في تسريع العلاج وتجفيف منابع الهدر والفساد”.

65

وأضاف: “قمنا باتخاذ عدة إجراءات جذرية بعد سقوط النظام البائد، أدّت إلى تحسين الواقع الخدمي والضبط الإداري لصرف الأدوية والمستهلكات الطبية، وضبط سير العمل. ونتيجة لهذه الخطوات، تم توفير مليارات الليرات السورية التي كانت تُهدر في فترة النظام البائد، وهي من الإنجازات الإدارية المهمة التي نفتخر بها كإدارة وعاملين في مشفى البيروني”.

ست ساعات معالجة شعاعية بدلاً من ثلاث

وأشار الدكتور الأحمد إلى أن مدة انتظار المرضى للمعالجة الشعاعية كانت تصل إلى ستة أشهر، رغم أن المسرّعات كانت تخدم 30 مريضاً فقط يومياً، في حين أن طاقتها الفعلية قادرة على معالجة نحو 90 مريضاً. وبعد التنسيق مع الاختصاصيين، تم رفع عدد المستفيدين إلى 90 مريضاً يومياً، ما ضاعف القدرة العلاجية.

كما أوضح أن سبب التأخير كان يعود إلى دوام الكادر لثلاث ساعات فقط يومياً بحجة خطورة الأشعة، لكن بعد التحقق العلمي والتأكد من عدم وجود أي تسرّب إشعاعي – بفضل التحصين والمراقبة الدورية من هيئة الطاقة الذرية – تمت زيادة ساعات العمل إلى ست ساعات، ما أسهم في مضاعفة عدد المرضى المعالجين.

دور داعم من المجتمع الأهلي

في سياق متصل، يؤدي المجتمع الأهلي دوراً مكمّلاً وداعماً لمرضى السرطان عبر الجمعيات الخيرية. وحول هذا الدور، قال رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية في دمشق وريفها، سارية السيروان، لموقع تلفزيون سوريا: إن صندوق العافية يقدّم دعماً لمرضى السرطان يشمل تغطية جزء من تكاليف المسرّع الخطي وصورة PET Scan ذات الكلفة العالية، بالإضافة إلى المساهمة في الإجراءات الجراحية. ويحصل المرضى على حسومات تصل إلى 40% على الفحوصات، و50% على التحاليل، و30 إلى 40% على جميع أنواع التصوير.

مرضى السرطان في سوريا.. انتظار قاتل وعلاج خارج متناول الفقراء

وأضاف السيروان: “الخدمة الثانية التي يقدّمها صندوق العافية هي المساهمة المالية بنسبة وتناسب حسب توفر التمويل، إذ يمكن أن يحصل المريض على دعم إضافي بنسبة 30% من المبلغ المتبقي بعد الحسم، ما يتيح له الاستفادة من الحسم مرتين. أما بالنسبة للجرعات الكيميائية، فيتم التنسيق مع طبيب موثوق للحصول على أسعار مخفّضة، أو تأمين العلاج مجاناً عبر المشافي العامة. وفي حال عدم توفره، يُتفاوض على سعر منخفض ويُقدّم دعم بنسبة 30 إلى 40%. وبالنسبة للعمليات الجراحية الورمية، كأورام الكتل والثدي والمفصل، فيُغطّى جزء منها أو كامل كلفتها عبر تبرعات”.

وحول الخدمات التي يقدّمها صندوق العافية، قال هيثم سلطجي، أمين سر اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق وريفها وعضو مجلس إدارة الصندوق، لموقع تلفزيون سوريا: “يستقبل الصندوق شهرياً نحو 3000 حالة، يشكّل مرضى السرطان منهم ما بين 20% إلى 25%، وتُقدّم لهم خدمات متعددة تشمل الجرعات، والعمليات الجراحية، والتحاليل، والتصوير”.

ويُراجع الصندوق أسبوعياً، وفق ما أشار إليه سلطجي، نحو 700 حالة تُوزّع على يومي الإثنين والثلاثاء، إذ تقيّم لجنة طبية الحالات وتُحدّد نوع الدعم. ويُغطّي الصندوق كامل أو جزءاً من تكاليف الخدمات بحسب حجم التبرعات، بما في ذلك جرعات العلاج الكيميائي، والتحاليل، والصور الطبية. كما يتحمّل نصف كلفة الومضان التي تصل إلى مليون ليرة، وفي بعض العمليات الجراحية قد يُغطّي كامل التكاليف. ويتم الدفع مباشرة للمقدّمين (الأطباء، المشافي، الصيدليات) بموجب عقود، وليس للمريض.

وأوضح سلطجي أن الصندوق يُجري دراسة اجتماعية لكل مريض لتحديد مدى حاجته إلى الدعم، وفي أثناء وجود المريض ضمن اللجنة قد يتم التواصل مباشرة مع متبرعين لتغطية الحالات العاجلة بالكامل، والتي قد تصل كلفتها إلى 10 أو 15 مليون ليرة سورية.

وأشار إلى أن مريض السرطان قد يتمكّن من تحمّل تكاليف العلاج لفترة قصيرة، لكنه لا يستطيع الاستمرار على المدى الطويل، مؤكداً أهمية وجود دعم حكومي مستقر، حيث تصل الأدوية إلى مشفى البيروني ليتم توزيعها مباشرة على المرضى.

عوامل وفرص شفاء المريض

وحول فرص الشفاء والنجاة من السرطان، قال الدكتور عثمان حمدان، اختصاصي أمراض الدم والأورام عند الأطفال: “إن فرص الشفاء تعتمد على تفاعل المرض مع المريض والطبيب والمجتمع المحيط”.

وأكد خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن التشخيص المبكر ومراجعة الطبيب في الوقت المناسب، سواء للطفل أو الكبير، يرفعان من نسبة الشفاء. مشيراً إلى أن دور الطبيب هو التشخيص الدقيق للمرض لضمان استجابة أفضل للعلاج.

وشدّد الدكتور حمدان على أن الفحص الدقيق للمريض هو الأساس في التشخيص، محذراً من الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لتشخيص المرض من خلال قراءة التقارير أو الصور، مؤكداً ضرورة أخذ قصة مرضية وافية من المريض أو أهله، مع الانتباه الكامل لحياته الشخصية والاجتماعية والتغذية وكل ما يتعلق بصحته.

ولفت إلى أن تشخيص المرض يجب أن يتم من قبل الطبيب قبل أن يتقدّم المرض، مع ضرورة التزام المريض بالعلاج، سواء كان جراحياً أو دوائياً أو شعاعياً، منوّهاً إلى أن التعاون بين الطبيب والمريض وأسرته يشكّل أساساً مهماً. كما يلعب المجتمع دوراً في تأمين مستلزمات العلاج عبر المؤسسات الصحية العامة والخاصة، سواء أدوات التشخيص الشعاعي والمخبري أو المستلزمات الطبية الدوائية، مما يسهم في تحسين فرص الشفاء.
 

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟