مقالات

رامي الشاعر يكتب: الاعتراف بالدولة الفلسطينية وصمام الأمان في العالم

 

، العضوان الدائمان بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، دائما ما تؤكدان على حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته المستقلة، بينما يسعى المهيمنون على البيت الأبيض، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، إلى إلغاء هذا القرار حتى لو اضطروا لتحقيق مآربهم إلى تصفية الشعب الفلسطيني وإبادته في تطهير عرقي بلغ مستويات غير مسبوقة في غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

ما يثبت ذلك تصويت الكنيست الإسرائيلي قبل عدة أيام على بسط السيادة الإسرائيلية على أراضي فلسطين في الضفة الغربية لنهر الأردن، وهو ما جاء عقب زيارة نتنياهو لواشنطن فورا، ما يمثل تحد أمريكي صارخ لجميع الدول العربية والإسلامية.
من ذلك أيضا ما حدث من استدعاء نتنياهو الوفد المفاوض في الدوحة وتصريحات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بأن “حماس” هي من تعرقل التوصل إلى اتفاق، بعد تصريحه الرسمي بأن وفدي التفاوض من خلال الوسطاء “وصلا للتوافق على 3 نقاط من 4″، وتابع حينها “نقترب من إحداث اختراق”.
ثم تأتي تصريحات نتنياهو بأن “المبعوث ويتكوف محق، (حماس) هي العائق أمام صفقة إطلاق سراح الرهائن)، ثم تصريحات ترامب الأخيرة يوم أمس بأن “حماس” لا تريد صفقة، وهم “يريدون أن يموتوا”، و”لا بد من إنهاء المهمة وإعادة الرهائن”، ثم قوله بأنه كان يعلم أنه عند الوصول لعدد قليل من الرهائن “ستتعقد الأمور”، وتأكيده على أن ما سيحدث هو “إعادة الرهائن”.
يقول تقرير وزارة الصحة في غزة ليوم أمس الجمعة إن حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع وصلت تقريبا إلى 60 ألف قتيل منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم من منتظري المساعدات ألف قتيل، بينما ارتفع عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 122 من بينهم 83 طفلا.
ويقول تقرير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين إن عدد قتلى الصحفيين منذ 7 أكتوبر 2023 قد بلغ 232 صحفيا.
فلماذا إذن لا نسمع الدول الديمقراطية الحرة والمجتمع الدولي الذي ينتفض لحقوق المهاجرين من أوكرانيا، ويغدق بعشرات المليارات من الدولارات على أوكرانيا لاستنزاف روسيا، بينما لا يأبه لـ 83 طفلا ماتوا جوعا في غزة.
ويكفي أن ننظر إلى مجمل المعونات المقدمة من البنك الدولي منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا (2022)، والتي بلغت نحو 81 مليار دولار عدا ونقدا. في الوقت الذي ساعد البنك الدولي فلسطين عن هذه الفترة بـ 1.3 مليار دولار.
وبعد هزيمة “الناتو” وفشل مخططاته لاستنزاف روسيا بعد السطو على 300 مليار دولار من أموال البنك المركزي الروسي، وبعد أموال هائلة لا حصر لها ولا عد ذهبت إلى حيث يريد الرئيس الأوكراني المنتهية شرعيته زيلينسكي أن يخفيها بقانونه الأخير محل الجدل بشأن المركز الوطني لمكافحة الفساد، بعد كل ذلك يحاول البيت الأبيض الآن الحفاظ على الهيمنة وإخضاع منطقة الشرق الأوسط بقصف الأراضي الإيرانية بذريعة امتلاك إيران لـ “أسلحة نووية”.
ومع ما يمكن أن يحمله الربط بين الحالة الإسرائيلية والأوكرانية من غرابة، إلا أن توسع إسرائيل يهدد أحد أغنى مناطق العالم، منطقة الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية هي أزمة الغرب في محاولاته لوقف عجلة التاريخ وتحول النظام العالمي نحو التعددية القطبية، ومحاولته الهيمنة على أغنى مناطق العالم وسبع مساحة اليابسة.
لا يريد البيت الأبيض وعملائه في تل أبيب وأوكرانيا أن تتم المفاوضات الروسية الأوكرانية، أو مفاوضات إسرائيل و”حماس” بموضوعية وشفافية، لأن أيا منها ستكشف من تسبب في مقتل مئات الآلاف من أبناء الشعب الأوكراني، والجرائم التي ترتكب يوميا بحق أبناء الشعب الفلسطيني ضد الأطفال والنساء والشيوخ.
لقد صرح الكرملين أكثر من مرة بأنه يجب الالتفات إلى جذور الأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن والدول الأوروبية تجاهل هذا المطلب نهائيا، ذلك أن جذور الأزمة الأوكرانية ببساطة هي تمدد “الناتو” شرقا حتى نطاق الأمن القومي الروسي.
ومن الواضح أن صلاحيات الوفد الأوكراني محدودة لخوض أي نقاش بخصوص جذور الأزمة، لذلك تقتصر المفاوضات فقط على البحث في قضايا الأسرى وتبادل الجثث تفاديا لخوض أي نقاش موضوعي لإنهاء الأزمة، التي لا يمكن أن تنتهي سوى بالعودة إلى الواقع والسبب الذي خاضت من أجله روسيا العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.
لقد صرح الرئيس رجب طيب أردوغان إنه بصدد الحديث مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، وقال إنه ربما يدور الحديث عن إمكانية لقاء الزعيمين في قمة بإسطنبول. وقال ترامب كذلك في تصريحات له يوم أمس، إن انتهاء معاهدة “ستارت” الجديدة سيمثل مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالحد من انتشار الأسلحة النووية. وأعرب عن رغبة واشنطن في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا، للتباحث بهذا الشأن.
لكن الأهم من هذا وذلك هو أن الأجواء الدولية الجديدة مع كل المشكلات التي تواجه العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، هي ما يجب أن تعترف به الولايات المتحدة. ولن يستقر العالم دون إعادة تفعيل دور الأمم المتحدة وتوسيع المشاركة في مجلس الأمن الدولي كي يجسد بحق جميع قارات ومناطق العالم. ويتعين على جميع الدول بصرف النظر عن حجمها وقوتها العسكرية والاقتصادية أن تحترم ميثاق الأمم المتحدة. وهذا وحده هو صمام الأمان في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى