كازاخستان تطلق أقوى حاسوب فائق في آسيا الوسطى وأستانا تتصدر مؤشر المدن الذكية الوطنية

بقلم د. عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد
أستانا – في الوقت الذي تكرّس فيه كازاخستان مكانتها كقوة رقمية رائدة في المنطقة، تتجه البلاد نحو توسيع منظومة الذكاء الاصطناعي لديها لتتجاوز مشروع الحاسوب الفائق. وتعمل الحكومة، بالتعاون مع شركاء دوليين، على إنشاء مراكز أبحاث للذكاء الاصطناعي في كل من أستانا وألماتي وشيمكنت، لتكون حاضنات للبحث العلمي المتقدم، وتطوير الشبكات العصبية، والابتكار في مجالات الأمن السيبراني والحوسبة الكمومية.
ووفقًا لوزارة التنمية الرقمية، فإن هذه المراكز ستكون مرتبطة عبر منصة سحابية وطنية تُدار داخل حدود كازاخستان، لضمان أمن البيانات وخصوصيتها واستقلالها عن المزودين الخارجيين. ويُعد هذا التوجه دعامة أساسية لاستراتيجية “كازاخستان الرقمية 2030″، التي تهدف إلى تعزيز مرونة الدولة الرقمية.
وقد خطت كازاخستان خطوة كبيرة نحو المستقبل بإطلاقها رسميًا، على يد الرئيس قاسم جومارت توكاييف، أقوى حاسوب فائق في آسيا الوسطى. ويُعد هذا الإنجاز نقلة نوعية في قدرات البلاد على صعيد الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي، ويتماشى مع الجهود الوطنية الأوسع لتطوير المدن الذكية، ودعم السيادة الرقمية، وترسيخ مكانة كازاخستان كقوة تكنولوجية إقليمية.
الرئيس توكاييف: رؤية لدولة رقمية رائدة
من جانبه، أكد الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي أشرف على إطلاق النظام رسميًا، على الدور الاستراتيجي لهذا الحاسوب في مسيرة التحول الرقمي طويلة الأمد للبلاد، وقال:” سيسمح الحاسوب الفائق لكازاخستان بتحقيق تقدم كبير في تطوير التكنولوجيا الرقمية. وسيتم منح الوصول إلى هذا النظام للحاضنات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، والمؤسسات البحثية، والجامعات، والجهات الحكومية والخاصة”.
وأضاف الرئيس: “سيكون هذا النظام حجر الأساس لمنظومة الذكاء الاصطناعي في كازاخستان، حيث سيمكّن الدولة من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وتحليل البيانات الضخمة، وإجراء الحسابات العلمية، وتقديم خدمات سحابية آمنة – وهي عناصر جوهرية لاقتصاد رقمي عصري”.
من لاعب إقليمي إلى قائد رقمي عالمي
يمثّل إطلاق أول حاسوب فائق وطني في كازاخستان نقطة تحول في تطورها الرقمي، ويجسّد إعلانًا واضحًا عن استعدادها لتتبوأ مكانة ريادية في الحوسبة عالية الأداء، والحكم الذكي، والتنمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. وبفضل نمو كوادرها التقنية، وتوسع بيئة الشركات الناشئة، وتعاونها الدولي، وريادتها في المدن الذكية، تتجه كازاخستان بثقة نحو مكانة مرموقة على الساحة الرقمية العالمية، كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا.
وأضاف وزير التنمية الرقمية جاسلان مادييف: “نحن لا نبني مجرد بنية تحتية، بل نؤسس منظومة متكاملة يستطيع فيها المهندسون والعلماء ورجال الأعمال في كازاخستان أن يبدعوا ويتنافسوا عالميًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والحكم الذكي”.
المدن الذكية تمتد إلى قطاعات النقل والصحة
بعد تصدرها لمؤشر المدن الذكية الوطنية، وسّعت أستانا نطاق مبادراتها لتشمل مجالات التنقل الحضري، والسجلات الصحية الرقمية، وصيانة البنى التحتية التنبؤية. ويجري الآن تنفيذ برامج لإدارة حركة المرور عبر الذكاء الاصطناعي، وتجربة وسائل نقل عامة ذاتية القيادة، إضافة إلى شبكات طاقة ذكية مدعومة بمستشعرات إنترنت الأشياء.
كما أُطلقت برامج تجريبية جديدة تتيح للمواطنين الوصول إلى الخدمات الصحية من خلال نظام هوية بيومترية موحد، متكامل مع بيانات المستشفيات وتقنيات التشخيص المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ويتم تنفيذ هذه المشاريع بالشراكة بين وزارة الصحة ووزارة التنمية الرقمية، وبدعم من شركات تكنولوجيا من كوريا الجنوبية وأوروبا.
مشروع كابل ألياف ضوئية عابر للحدود بين كازاخستان وأوزبكستان
لدعم البنية الرقمية الإقليمية، أطلقت كازاخستان وأوزبكستان مؤخرًا ممرًا جديدًا من الألياف الضوئية يربط بين البلدين، ما يعزز سرعة البيانات وموثوقيتها في جميع أنحاء آسيا الوسطى. ويُعد هذا المشروع، المموَّل جزئيًا من قبل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، حجر الزاوية للوجستيات الذكية والتعاون البحثي في الذكاء الاصطناعي والتكامل المالي بين البلدين.
ويشير الخبراء إلى أن هذا الممر يعزز موقع كازاخستان كمركز عبور رقمي بين أوروبا وآسيا، وهي رؤية لطالما روّج لها الرئيس توكاييف في إطار مبادرة “طريق الحرير الرقمي” الصينية ومبادرة “البوابة العالمية” الأوروبية.
افتتاح مركز الحاسوب الفائق الوطني “ألم كلاود“
أُقيمت مراسم التدشين في مركز الحاسوب الفائق الوطني “ألم كلاود”، وهو مرفق حديث تم إنشاؤه ضمن حرم البيانات التابع لوزارة التنمية الرقمية في أستانا. وحضر الحفل مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى، وشركاء تقنيون عالميون، ومؤسسات أكاديمية، ومستثمرون دوليون، جميعهم أكدوا الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع التحويلي.
قفزة كمية في القدرات الرقمية
تم تطوير الحاسوب الفائق الجديد بالتعاون الوثيق مع شركة Presight AI التابعة لمجموعة G42 الإماراتية، ويتميّز بقدرة حسابية تصل إلى 2 إكسا فلوب باستخدام دقة FP8، ما يجعله الأقوى في آسيا الوسطى حتى الآن. ويعتمد النظام على وحدات معالجة الرسوميات من طراز NVIDIA H200، ما يضع كازاخستان في طليعة تكنولوجيا الحوسبة عالية الأداء عالميًا.
وبحسب وزير التنمية الرقمية والابتكار والصناعة الفضائية، فإن هذا النظام قادر على تنفيذ عدد من العمليات الحسابية في ثانية واحدة يعادل ما يمكن لـ 8 مليارات شخص – عدد سكان العالم – إنجازه خلال أربعة أيام إذا قام كل فرد بحساب واحد في الثانية.
وأضاف الوزير في مقابلة مع قناة “جبك جولي”: هذا ليس مجرد إنجاز وطني، بل إعلان واضح لسيادة كازاخستان الرقمية. لم نعد نعتمد على مزودي الخدمات السحابية الأجانب. لدينا الآن البنية التحتية لتطوير وإدارة بياناتنا محليًا، وبسرعة وكفاءة وأمان بمستوى عالمي”.