فن ومشاهير
نمير عبد المسيح: “الحياة بعد سهام”.. من رحلة الفقد إلى تأمل الوجود

نمير عبد المسيح: “الحياة بعد سهام”.. من رحلة الفقد إلى تأمل الوجود
زيزي عبد الغفار
بعد رحلة حافلة بدأت بعرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي، ومرت بمهرجان الجونة حيث حصد ثلاث جوائز كبرى: نجمة الجونة الفضية لأفضل فيلم وثائقي طويل، ونجمة الجونة لأفضل فيلم وثائقي عربي، وجائزة الجونة السينمائية – Emerge لأفضل فيلم وثائقي طويل، يستمر فيلم (الحياة بعد سهام) للمخرج. "نمير عبد المسيح" مسيرته الناجحة دفعته للمشاركة بفيلمه في الدورة القادمة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن قسم العروض الخاصة.
يبدأ الفيلم من لحظة فقدان الأم "السهام" والذي يتحول إلى محور لاستعادة الذاكرة العائلية والتأمل في معنى الفقد والحياة بعد الرحيل، فقد استطاع "نمير" بأسلوب بصري شعري، يحول الحزن إلى رحلة تأمل في معنى الوجود والذاكرة والحنين.
ويتحدث المخرج في هذه المقابلة عن النسخة الجديدة التي سيعرض بها الفيلم في القاهرة، وعن تجربته الإنسانية والفنية في هذا العمل الاستثنائي.
ثلاث جوائز من الجونة في نفس الوقت.. كيف حصلت على هذا التتويج؟
شعور جميل جدًا، لكن الأهم بالنسبة لي هو رد فعل الجمهور. ما كنت أفكر فيه قبل عرض الفيلم هو معرفة هل سيصل معنى الفيلم للجمهور أم لا. وجاءت الإجابة بوضوح وسرعة في تفاعل الناس فور انتهاء العرض، بما في ذلك البكاء والأحضان والمشاعر الصادقة، فكان هذا المشهد جائزتي الأولى.
ما الجديد الذي ستقدمه نسخة مهرجان القاهرة؟
النسخة التي عرضت في مهرجان كان السينمائي كانت نسخة أولية، تم إجراء تعديلات عليها لعرضها في مهرجان الجونة السينمائي. أما النسخة التي ستعرض في مهرجان القاهرة السينمائي، فستكون أول نسخة عربية كاملة من الفيلم. الفيلم هو بالأساس فرنسي-مصري، وأنا أقوم بالتعليق الصوتي باللغة الفرنسية. فقررت إعادة تسجيل الصوت باللغة العربية، وسأفعل ذلك غدًا في القاهرة، لأنني أريد أن يصل الفيلم إلى عدد أكبر من الجمهور العربي، وستكون هذه النسخة أول عرض له باللغة العربية.
لماذا لم تكتفوا بالترجمة الكتابية بدلا من تغيير اللغة الفرنسية خاصة أنها كانت مبررة في الفيلم؟
صحيح أن اللغة الفرنسية لها مبرر داخل الفيلم، لأن العائلة هاجرت وعاشت في فرنسا، وفي الفيلم أبدأ الحديث بالفرنسية وأنهيه بالعربية، وهذا مرتبط بالرسالة التي كتبتها لي أمي بالفرنسية وقالت فيها: "أكتب إليك بهذه اللغة التي ليست لغتي، وكنت أتمنى أن تفهم لغتي" عندما أنتهي من الفيلم باللغة العربية، يكون ذلك بمثابة ردي عليها، وكأنني أقول لها: «أنا أفهم لغتك». قد أفقد هذا المعنى عندما أترجم كلامي بالكامل إلى اللغة العربية، لكن ما سأكسبه هو الأهم: التواصل مع الجمهور العربي. أريد أن يشعر كل مشاهد بأن الفيلم ملك له، وأن يخلق تواصلاً مباشراً مع الجمهور.
فهل يدل ذلك على رغبتك في العودة إلى مصر لتقديم أفلام تخاطب المشاهد المحلي؟
أحاول دائمًا مد الجسور بين الثقافتين العربية والأوروبية، ولذلك أحاول تقديم أفلام مفهومة في أوروبا وتصل إلى الجمهور العربي في نفس الوقت. فمثلا فيلمي السابق (أنا والعذراء والأقباط وأنا) كان مصريا جدا، حتى لو لم يعرض في مصر ولم يحصل على إذن من الرقابة. وتفاجأت أن عددا كبيرا من المصريين شاهدوه، خاصة البسطاء الذين قالوا لي: هذا فيلم يحكي عنا.
ما يهمني هو أن أقدم شيئاً يتعلق بالإنسانية، لأن الإنسانية هي حلقة الوصل الحقيقية بين الثقافات.
وكيف حدث هذا الاستثناء عندما عرض فيلم في الجونة ثم عرض في القاهرة؟
يتمتع هذا الفيلم بشروط إنتاجية خاصة جدًا، حيث حصل على منحة دعم من منصة
“اتصال القاهرة السينمائي”
تابع لمهرجان القاهرة، وحصل على دعم من «مهرجان مراكش»، وبعد ذلك جاء دعم «الجونة»، ومع دعم المهرجانات الثلاثة للفيلم ورغبتهم في عرضه، حدثت بلبلة. مراكش فهمت أن الفيلم مصري وأن العرض العربي الأول سيكون في مصر، وكان علي الاختيار بين القاهرة والجونة، فقررت العرض في الجونة وإعداد نسخة عرض مختلفة للقاهرة. والحمد لله كانت هناك روح التفاهم والتعاون كبيرة جدًا من جميع المهرجانات.
يبدو أنك متأثر بيوسف شاهين، حيث يحتوي الفيلم على مشاهد من أفلامه تمكنت من خلالها أن تحكي قصتك بشكل احترافي للغاية. هل هذا يعني أنك تأثرت به أيضاً في طريقة السرد والرؤية؟
يعد يوسف شاهين أحد أهم المخرجين العرب الذين مزجوا بين الاهتمامات الشخصية والقضايا الوطنية بلغة بصرية مبتكرة. وهو مخرج امتلك شجاعة القصة وجرأة الصورة، وجعل من السينما وسيلته لفهم الذات والمجتمع. كان مهتماً بالتاريخ العربي، وأخرج أفلاماً عن صلاح الدين ونكسة 1967، لكنه في الوقت نفسه كان يحكي لنفسه من خلال قضايا مجتمعه، وما يعجبني فيه أيضاً هو أنه بنى جسور التواصل مع فرنسا والغرب، وقدم الغرب. من وجهة نظر عربية، كل هذه الأشياء أحبها في تجربته.
الفيلم مليء بالمواد الأرشيفية العائلية.. كيف بنيت كل هذا الأرشيف؟
منذ طفولتي، كنت أحب الكاميرا كثيرًا. كنت أصور فيديوهات عندما كنت صغيرا، وكنت سعيدا بفكرة الاختباء خلف الكاميرا واكتشاف العالم من خلالها، رغم أن عائلتي كانت تكره التصوير الفوتوغرافي، خاصة أنني كنت ألتقط صورا لهم في كل الأوقات دون تحضيرات مسبقة، لكن اعتراضهم أضحكني وجعلني أواصل التصوير، وبسبب تقديري الشديد لقيمة الفيديوهات، قبل ظهور الإنترنت ومكالمات الفيديو، كنت أحمل رسائل مصورة إلى أمي وأبي. في فرنسا، إلى جدتي في صعيد مصر عندما كنت أزورها. كل تلك اللقطات أصبحت كنزًا واعتمدت عليها في فيلمي. بالإضافة إلى ذلك، احتفظت عائلتي بصور وتسجيلات لي عندما كنت طفلاً، ووجدت هذا الأرشيف واستخدمته أيضًا.
ما هي خطواتك القادمة؟ هل ستتخلى عن الذاتية في أعمالك المقبلة؟
لا أعلم بعد، فأنا مشغول حالياً بفيلم (الحياة بعد سهام) وأجعل أكبر عدد ممكن من الجمهور يشاهده. أما بالنسبة لشخصيتي فأنا أجيد التعبير عن نفسي، لكن ما أكتبه أو أرويه في أفلامي يصل إلى الناس ويجعلهم يشعرون أنني أحكي قصتهم.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر



