أخبار العالم

المعارضة التركية ترفض سياسات أردوغان وتطالب بانتخابات مبكرة

القاهرة: هاني كمال الدين  

تشهد تركيا في الآونة الأخيرة تصاعدًا لافتًا في حالة التململ السياسي والاجتماعي، لا سيما في أوساط الشباب الذين بدؤوا يبتعدون بشكل متسارع عن الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية. في هذا السياق، تتحرك المعارضة التركية بخطى متسارعة لاستثمار هذا التحول المجتمعي، من خلال الدعوة إلى سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية الواسعة التي تستهدف الضغط على السلطة من أجل الإفراج عن رئيس بلدية إسطنبول، والمرشح الرئاسي البارز أكرم إمام أوغلو، والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. وقد أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، في حديث لصحيفة “سوزجو” أن المعارضة ستنظم ما لا يقل عن خمسين تظاهرة شعبية بهدف حشد التأييد لقضيتها. وقال أوزيل إن الإجراءات الحكومية الأخيرة تمثل إعلانًا للحرب، وإن المعارضة بدورها ترد كما تُردّ الحروب: بتنظيم الصفوف، والدفاع عن المواقف، والشروع بهجمات مضادة مدروسة.

وفي حين تستند المعارضة إلى أدوات قانونية وديمقراطية، فإنها تراهن على تفوقها الأخلاقي والنفسي، وقدرتها على الاستمرار في الدفاع عن رؤاها وفقًا للدستور، وفي أجواء سلمية. هذا المناخ المحتقن دفع ببعض طلاب الجامعات الكبرى والناشطين الشباب إلى الدعوة لمقاطعة عدد من العلامات التجارية، بما فيها قنوات إعلامية موالية للحكومة وسلسلة مقاهٍ شهيرة، احتجاجًا على دعمها المزعوم للنظام الحاكم، وهو ما أثار رد فعل غاضب من الحكومة، حيث اتهم وزير التجارة عمر بولات منظمي هذه المقاطعات بمحاولة زعزعة الاقتصاد الوطني. وفي خضم هذه التجاذبات، كشفت الأرقام الرسمية أن السلطات أوقفت خلال الشهر الماضي أكثر من ألف شخص على خلفية الاحتجاجات، من بينهم شخصيات معروفة على الساحة الثقافية والفنية، ما يعكس عمق الأزمة الاجتماعية والسياسية في البلاد.

رغم ما يبدو من تراجع نسبي في زخم الاحتجاجات في الشوارع، إلا أن المؤشرات السياسية تؤكد أن هناك تحولًا نوعيًا في توجهات الرأي العام، خاصة بين الفئة العمرية الشابة. فقد أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة “Ank-Ar” ما بين 4 و8 أبريل الجاري، أن 29% من الشباب الأتراك ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا ويمثلون شريحة فاعلة اقتصاديًا، يفضلون التصويت لحزب الشعب الجمهوري المعارض في حال أجريت الانتخابات غدًا، بينما لا تتجاوز نسبة من يدعمون حزب العدالة والتنمية 15.9%. كما حلت في المرتبة الثالثة حزب النصر اليميني المتطرف بنسبة 12.8%، في حين قال نحو 14.5% من المستطلعة آراؤهم إنهم لم يقرروا بعد أو لن يصوتوا. وتعكس هذه الأرقام مؤشرات واضحة على تفكك القاعدة الانتخابية التقليدية لحزب العدالة والتنمية، خاصة في أوساط الشباب، وتحول المزاج العام نحو المعارضة.

وتزداد أهمية هذه الأرقام إذا ما قورنت بنتائج استطلاع آخر أُجري في مارس الماضي، حيث لم يكن الفارق بين الحزبين الكبيرين يتجاوز 2.1 نقطة مئوية، في حين أن استطلاع أبريل أظهر تقدمًا لحزب الشعب الجمهوري بفارق بلغ 13.1 نقطة. هذه القفزة تعكس تغيرًا حقيقيًا في موازين القوى السياسية في البلاد، وتنذر بتداعيات محتملة على التحالف الحاكم بقيادة أردوغان، والذي يعتمد على دعم “تحالف الشعب” المؤلف من حزب العدالة والتنمية وشركائه القوميين والمحافظين.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من استطلاعات الرأي التي تُجرى داخل تركيا، سواء من قبل جهات رسمية أو خاصة، لا يتم الإفصاح عن نتائجها للعلن، وهو ما يثير شكوكًا إضافية حول مدى اتساع الهوة بين النظام والمجتمع. لكن حتى النتائج المنشورة توحي برسائل تحذير صريحة للمنظومة السياسية القائمة، بدءًا من الرئيس شخصيًا، وصولًا إلى حزبه وتحالفه الحاكم، إذ بات واضحًا أن فئات واسعة من المواطنين تطالب بإعادة صياغة شاملة لنهج الدولة في مختلف المجالات.

المشهد السياسي التركي اليوم بات أكثر تعقيدًا، حيث لم يعد أردوغان موضع انتقاد من قِبل الكماليين أو دعاة العلمانية فقط، بل حتى من قِبل جزء من القاعدة المحافظة التي طالما اعتُبرت داعمة له. فقد أثارت تصريحات المؤرخ المعروف والمدير السابق لمتحف توبكابي، إيلبر أورطايلي، جدلًا واسعًا حينما حذر من كارثة اجتماعية محتملة بسبب سياسات الحكومة، ولا سيما في ما يتعلق بالتركيبة السكانية والتعامل مع اللاجئين السوريين. وأوضح أورطايلي أن تركيا تواجه خطر انكماش سكاني متسارع، في وقت تواصل فيه السلطات استقدام المزيد من السوريين، ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية في المستقبل القريب. وتدعم بيانات دولية هذه المخاوف، حيث أظهرت إحصاءات موقع geo.universe أن معدلات الولادة في معظم المناطق التركية شهدت انخفاضًا حادًا منذ عام 2016 وحتى عام 2024.

تتجاوز حالة السخط الشعبي اليوم القضايا التقليدية مثل الحجاب أو حرية تناول المشروبات الكحولية، إلى أسئلة وجودية تتعلق بالمستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وهو ما يعود جزئيًا إلى تركيز القيادة السياسية على القضايا الجيوسياسية والإقليمية، كما في سوريا، وجنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، في حين يشعر المواطن التركي العادي بأن أولوياته الحياتية والاقتصادية لم تعد تحظى بالاهتمام الكافي. كما تبرز في هذا السياق خطوط صدع اجتماعية وسياسية متزايدة الوضوح، تتمثل في الانقسام الجغرافي الحاد في التوجهات الانتخابية، إذ تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة أن مناطق السواحل والمدن الكبرى، مثل إسطنبول وإزمير وأنقرة، تميل لتأييد المعارضة، في حين تحظى الحكومة بدعم في مناطق الأناضول الداخلية.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، يُطرح مجددًا ملف “القضية الكردية” كورقة مساومة سياسية، قد تلعب دورًا حاسمًا في معادلة السلطة المقبلة. فقد بدأت الحكومة مؤخرًا سلسلة من الإشارات واللقاءات التي توحي بإمكانية إحياء المسار التفاوضي مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهو ما أثار الكثير من الجدل، خاصة أن هذا المسار نفسه كان قد أُجهض في عام 2015 بقرار من أردوغان. وبحسب صحيفة “ديلي صباح”، فإن الحكومة التركية تعوّل على مبادرة “تركيا من دون إرهاب”، التي أطلقها زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ويُنتظر أن تناقش هذه المبادرة في اجتماع الحكومة المقبل، المقرر في 15 أبريل الجاري، بحضور أردوغان. ومن المنتظر أيضًا أن تتناول الجلسة نتائج المنتدى الدبلوماسي في أنطاليا، فضلًا عن اللقاء الذي جمع الرئيس باثنين من النواب الكرد، والذي وُصف بـ”الإيجابي والبنّاء”.

في المقابل، تشير بعض التسريبات إلى أن حزب العمال الكردستاني قد يعقد مؤتمرًا قريبًا لإعلان الالتزام بمبادرة عبد الله أوجلان، المسجون منذ عقود، والداعية إلى وضع السلاح وتفكيك التنظيم. غير أن المواقف لا تزال ضبابية، لا سيما مع طرح الحزب الكردي مطالب جديدة، في مقدمتها الإفراج عن أوجلان، وهو ما ترفضه أنقرة حتى الآن. كما أن أي تقدم ملموس في هذا المسار قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل القوميين المتشددين والمتدينين المحافظين، الذين يشكلون جزءًا أساسيًا من القاعدة الشعبية للرئيس أردوغان، ويعارضون أي اعتراف رسمي بحقوق الأقليات أو تعديل دستوري يمنح الحكم الذاتي لبعض المناطق ذات الأغلبية الكردية.

في المجمل، تبدو الساحة السياسية التركية اليوم وكأنها تقف على أعتاب مواجهة كبرى بين تحالفات متضادة باتت ملامحها تزداد وضوحًا. وفي ظل هذا الوضع، تبدو البلاد بحاجة ماسة إلى شخصية قيادية جامعة، قادرة على رأب الصدع وتجاوز الاستقطاب المتنامي. لكن المؤشرات القائمة تدل على أن هذه الشخصية ليست أردوغان، الذي بات يُنظر إليه من قبل فئات واسعة على أنه جزء من المشكلة وليس من الحل، وأن استمراره في الحكم قد يفاقم خطر الانقسام الداخلي بدلًا من احتوائه.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟