الأرجنتين تفتح ملفات النازيين: وثائق سرّية تكشف تفاصيل هروب مجرمي الحرب إلى أمريكا الجنوبية

كتبت: فاطمة إسماعيل
في خطوة تاريخية، كشفت الحكومة الأرجنتينية عن أكثر من 1850 وثيقة سرّية تتعلق بوجود النازيين في الأرجنتين بعد الحرب العالمية الثانية، من بينهم أدولف أيخمان وجوزيف مينغيل. يكشف الأرشيف عن تفاصيل هروبهم وملاذهم في أمريكا الجنوبية، ما يعيد تسليط الضوء على شبكة “خطوط الجرذان” وتعاون الاستخبارات الأرجنتينية.
الأرجنتين تفتح صندوق الأسرار: أرشيف نازي بلا قيود
في تحرّك غير مسبوق من نوعه، أزاحت الحكومة الأرجنتينية الستار عن أرشيف بالغ الحساسية يضم أكثر من 1850 وثيقة سرّية، تتعلق بهروب وإيواء كبار مجرمي الحرب النازيين داخل البلاد عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. القرار، الذي أصدره الرئيس الأرجنتيني الحالي خافيير مايلي في مارس 2025، جاء استجابة لنداءات مركز سيمون فيزنتال، وأحدث موجة اهتمام عالمي بإرث تاريخي ظل طيّ الكتمان لعقود.
من الرايخ إلى بوينس آيرس: رحلة النازيين عبر “خطوط الجرذان“
الوثائق الجديدة تسلّط الضوء على الدور الخفي الذي لعبته الأرجنتين في استيعاب عدد كبير من النازيين الفارّين، عبر ما عرف بـ”خطوط الجرذان” — وهي شبكة سرّية دولية ساهمت في تهريب النازيين من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية. ويُقدّر مركز سيمون فيزنتال عدد النازيين الذين استقروا في الأرجنتين بنحو 10,000 شخص، بينهم أسماء بارزة مثل أدولف أيخمان، جوزيف مينغيل، كلاوس باربي، وأنتي بافيليتش.
أدولف أيخمان: “مهندس الهولوكوست” في ضواحي بوينس آيرس
من بين أبرز ما ورد في الأرشيف، معلومات موسّعة حول إقامة أدولف أيخمان، الذي كان أحد كبار المخططين لحملة إبادة اليهود في أوروبا. الوثائق تظهر أنه عاش بهوية مزوّرة في إحدى ضواحي العاصمة الأرجنتينية حتى عام 1960، حين اختطفته وحدة من الموساد الإسرائيلي ونُقل سرًا إلى إسرائيل حيث حوكم وأُعدم.
جوزيف مينغيل: “ملاك الموت” عاش حرًا حتى وفاته
الوثائق تكشف أيضًا عن جوزيف مينغيل، الطبيب النازي الذي ارتكب تجارب بشرية مرعبة في معسكر أوشفيتز. رغم صدور أوامر اعتقال دولية بحقه، ظل مينغيل طليقًا، متنقلاً بين الأرجنتين وباراغواي والبرازيل حتى وفاته غرقًا عام 1979، دون أن يُقدَّم إلى العدالة.
بورمان وكوشمان: أسماء لم تكن مجرد أساطير
أما مارتن بورمان، السكرتير الشخصي لأدولف هتلر، فطالما دار الجدل حول هروبه المفترض إلى أمريكا الجنوبية. رغم إعلان وفاته رسميًا في ألمانيا عام 1973، لا تزال بعض الوثائق تشير إلى احتمال فراره إلى الأرجنتين، ما يعيد إشعال نظريات المؤامرة. كذلك، تُفصّل الوثائق حياة والتر كوشمان، ضابط الجستابو الذي عاش في الأرجنتين تحت اسم مستعار حتى وفاته بنوبة قلبية بعد اعتقاله عام 1986.
التعاون الاستخباراتي: الأرجنتين ومراكز القرار النازي
تبيّن الوثائق أن المديرية العامة للشؤون الخارجية للشرطة الفيدرالية، وأمانة الدولة للاستخبارات، والدرك الوطني، أجرت تحقيقات بين خمسينيات وثمانينيات القرن الماضي لرصد ومتابعة النازيين داخل البلاد، ما يشير إلى إدراك السلطات بوجودهم، وربما تواطؤها في بعض الأحيان.
تسليم المطلوبين: بين التساهل والتواطؤ
في حين جرى تسليم بعض الأسماء مثل إريك بريبكي إلى دول طالبت به، نجا آخرون بفعل الثغرات القانونية أو الدعم المحلي. وتكشف الوثائق أن عملية التسليم لم تكن دائمًا سلسة، وأن بعض مجرمي الحرب تمكنوا من الفرار مجددًا إلى دول مجاورة مثل تشيلي أو البرازيل.
الأرجنتين تكشف 1200 مرسومًا رئاسيًا إضافيًا
بجانب ملف النازيين، نشرت الحكومة الأرجنتينية أكثر من 1200 مرسوم رئاسي رُفع عنها الحظر تعود للفترة ما بين 1957 و2005. تتناول هذه المراسيم مواضيع تتراوح بين تجارة الأسلحة وتنظيم الاستخبارات الداخلية، وصولًا إلى مكافحة الشيوعية خلال الستينيات والسبعينيات، ما يعكس طبيعة المرحلة السياسية الحرجة التي مرت بها البلاد.
ردود الفعل الدولية: تحقيقات أمريكية واستنفار إعلامي
إثر نشر الوثائق، أعلن مجلس الشيوخ الأمريكي عن فتح تحقيق في بنك “كريدي سويس” السويسري، الذي يُشتبه في تورطه بخدمة حسابات مصرفية تعود لمجرمي الحرب النازيين. كما تصاعد اهتمام الإعلام العالمي بهذا الكشف الذي أعاد فتح جروح تاريخية لم تندمل بعد.
خافيير مايلي وحقبة الشفافية
الرئيس خافيير مايلي أكد في تصريحات رسمية التزامه بالكشف عن الحقائق التاريخية مهما كانت موجعة. وأشار إلى أن “المصالحة مع التاريخ تمرّ أولًا بكشفه أمام الشعب”، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لتحديث الخطاب الرسمي حول ماضي الأرجنتين.