الولايات المتحدة وتبعات السياسة التجارية المتهورة

القاهرة: هاني كمال الدين
تعتبر السياسة التجارية للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بمثابة محرك رئيسي لعدم الاستقرار الاقتصادي على مستوى العالم. إذ أثرت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية، مثل فرض التعريفات الجمركية وزيادة الحواجز التجارية، بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، مما يهدد بتفاقم الركود العالمي وتدهور العلاقات التجارية بين الدول الكبرى. التقرير التالي يستعرض تداعيات هذه السياسات من خلال تحليلات اقتصادية وآراء الخبراء، ويستشرف المستقبل في ظل هذه التوجهات.
التعريفات الجمركية وأثرها على الاقتصاد العالمي:
في خطوة جديدة ضمن سياسة تجارية متسارعة، أعلنت الإدارة الأمريكية عن فرض “التعريفات الجمركية المتبادلة” بنسبة 10% كحد أدنى، فضلاً عن زيادة التعريفات على بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين. وقد أثار هذا الإعلان موجة من ردود الفعل العنيفة على الأسواق المالية العالمية، حيث تراجعت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة والعالم، وهو ما يعكس قلق الأسواق من التداعيات السلبية لهذه السياسة.
الآثار على الاقتصاد الأمريكي:
تتوقع المؤسسات الاقتصادية الكبرى، مثل بنك “China International Capital Corporation” (CICC)، أن يؤدي تطبيق هذه السياسات إلى زيادة معدل التضخم في الولايات المتحدة، مما سينعكس على القدرة الشرائية للمستهلكين. كما أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تصل إلى 1.3%، مما يعمق الأزمة الاقتصادية.
وفي سياق متصل، خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من توقعاتها لنمو الاقتصاد الأمريكي، مشيرة إلى أن النمو في 2025 سيصل إلى 2.2% فقط، انخفاضًا من 2.8% في 2024. وهذا يعكس مدى التأثير الكبير للسياسات التجارية الأمريكية على استقرار الاقتصاد.
التجارة الدولية: تهديد لسلاسل الإمداد العالمية:
مع زيادة التصعيد في السياسة التجارية الأمريكية، تشير التحليلات إلى أن هذه الإجراءات قد تعيق سلاسل الإمداد العالمية، مما سيؤدي إلى نقص في بعض السلع، فضلاً عن زيادة التكاليف بالنسبة للمستهلكين. في هذا السياق، حذرت وكالات التصنيف الدولية مثل “فيتش” من تداعيات هذه السياسات على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 2.9% في 2024 إلى 2.3% في 2025، ثم إلى 2.2% في 2026.
وأشارت تقارير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) إلى أن التجارة العالمية ستتعرض إلى مزيد من التحديات بسبب السياسة الحمائية والقيود التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة، ما يزيد من فرص تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.
التجارة الحمائية: ضرب للمبادئ الاقتصادية العالمية:
تتناقض السياسة التجارية الحالية للولايات المتحدة بشكل كبير مع المبادئ الأساسية التي تقوم عليها التجارة الدولية. فقد استند النظام التجاري العالمي على أساس المعاملة المتساوية بين الدول، وقام على مبادئ التعاون متعدد الأطراف وحل النزاعات التجارية من خلال الحوار والاتفاقات المتبادلة. لكن السياسات التجارية الأمريكية الحالية تدفع في اتجاه العزلة الحمائية، وهو ما يعد تهديدًا لهذا النظام القائم.
في تصريح لرئيس منظمة التجارة العالمية (WTO) نغوزي أوكونجو-إيويالا، أكد أن الولايات المتحدة تمثل “الفائز الكبير” في التجارة العالمية، رغم تصويرها لنفسها كضحية. إذ إن لديها فائضًا كبيرًا في تجارة الخدمات مع العديد من الدول الكبرى، مما يشير إلى أن الرسوم الجمركية التي تفرضها لا تعكس احتياجاتها الاقتصادية بقدر ما تعكس مصالح سياسية ضيقة.
الآراء الاقتصادية: الانتقادات والتحذيرات:
أثارت سياسة التعريفات المتبادلة في الولايات المتحدة انتقادات واسعة من قبل خبراء الاقتصاد. فقد اعتبر العديد منهم أن هذه السياسة تضر في النهاية بالاقتصاد الأمريكي، حيث تعمل على تقليص نمو التجارة العالمية وتعرقل تدفق الاستثمارات. كما أشار الخبير الاقتصادي مارتن وولف، في حديثه مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إلى أن هذه السياسة “غير مستدامة” و”مضطربة”، وأن نتائجها على المدى الطويل قد تكون مدمرة للاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء.
من جانبه، أضاف المحلل الاقتصادي الصيني تشاو تشيتشيان أن فرض هذه التعريفات قد يرفع من تكلفة الإنتاج في الولايات المتحدة، مما يزيد من الضغط على الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات من الخارج. وقال إن الإدارة الأمريكية تستخدم هذه التعريفات كأداة للمفاوضات في الصفقات التجارية، لكنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
الآفاق المستقبلية: هل الولايات المتحدة على المسار الصحيح؟
في ضوء هذه السياسات التجارية، يبدو أن الولايات المتحدة على مسار اقتصادي محفوف بالمخاطر. إذ إن انتهاج نهج الأحادية التجارية قد يؤدي إلى مزيد من التوترات التجارية مع الحلفاء والشركاء الدوليين، وهو ما قد يهدد بمزيد من التصعيد والصراعات التجارية في المستقبل.
الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس وصف السياسات الأمريكية بأنها “غير صحيحة اقتصاديًا” و”خطيرة جيوسياسيًا”، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التحول نحو نموذج يعزز التعاون والتكامل مع الدول الأخرى بدلاً من التفرقة والعزلة.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر