الدروس الخصوصية تتمدد إلى مرحلة التعليم الجامعي

منذ بداية العام الدراسي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات مكاتب الخدمات التعليمية التي تروج للدروس الخصوصية لطلبة الجامعات. وأعلنت بعض منصات التعلم عن بعد وبعض الأساتذة غير المنتسبين للجامعات إمكانية تدريس المواد الجامعية للطلبة، بدعوى خبرتهم في هذا المجال، فيما أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن نظام المراقبة الاستباقية الذي تطبقه مكّن من إيقاف 20 مادة إعلانية غير ملتزمة قبل انتشارها. حدد الأكاديميون خمسة أسباب تدفع طلاب الجامعات إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
وتفصيلاً، رصدت الإمارات اليوم إعلانات يقوم بها أشخاص ينتحلون صفة أساتذة جامعيين وباحثين، إضافة إلى منصات تعليمية، لاستقطاب طلبة الجامعات للدروس الخصوصية في مختلف الكليات والتخصصات، مقابل مبالغ تتراوح بين 250 و500 درهم في الساعة، وإعداد أبحاث وواجبات جامعية. وتضمنت الدورات المتاحة دروساً خصوصية في: العلوم الاجتماعية والنفسية، والقانون وفروعه، واللغات، والإحصاء، والمحاسبة والمالية. الاقتصاد، المواد الهندسية (الجبر الخطي، حساب التفاضل والتكامل المتقدم)، البرمجة، العلوم الطبية (الأحياء العامة، علم الأحياء الدقيقة وعلم الوراثة، علم الحيوان العام، علم النبات الطبي – الكيمياء العامة، علم المناعة السريرية، علم الأنسجة، التنوع البيولوجي، علم التشريح الأساسي).
وأرجعت المنصات التعليمية التي تقدم دروسا خصوصية لطلبة المدارس، إدخالها فئة الدروس الخصوصية الجامعية “أونلاين” ضمن الدورات والدروس التي تقدمها، لتلبية احتياجات طلاب الجامعات سواء لسد الفجوات في البيئة التعليمية وتعزيز المهارات أو لإعداد الطالب لسوق العمل وفق رؤية شاملة يشرف عليها أساتذة ومحاضرون يتمتعون بالمؤهلات والخبرة العملية والأكاديمية، فيما تختلف التكلفة باختلاف المواد الدراسية وصعوبتها، حيث أن أسعار المواد العلمية وخاصة العلوم الطبية أعلى من التدريس النظري المواضيع. وتختلف التكلفة أيضًا وفقًا لخبرة وكفاءة مقدم الخدمة. كلما كان الشخص أكثر خبرة أو أكاديمية في جامعة معروفة، كلما ارتفع السعر.
الدراسات العليا
وشملت الخدمات التي تقدمها المنصات التعليمية لطلبة الدراسات العليا مقابل المال، المساعدة في توفير المراجع العلمية لجميع التخصصات، واقتراح عناوين لدرجتي الماجستير والدكتوراه، والمساعدة في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه بما في ذلك الرسائل في التخصصات الطبية والهندسية والعلمية، وإعداد كافة الأبحاث العلمية ونشر وترقية البحوث بشكل احترافي، وتحويل الرسائل العلمية إلى كتب، وخدمات إعادة الصياغة وكتابة المقالات، والنشر في المجلات العلمية المحلية والعالمية، وإعداد الاستبيانات والأبحاث. الاستجابات لجميع البرامج، والتحليل الإحصائي باستخدام جميع البرامج.
أسباب متعددة
أجمع الأكاديميون على تعدد أسباب لجوء طلاب الجامعات إلى الدروس الخصوصية، وحددوا أبرز خمسة أسباب وراء اللجوء إلى الدروس الخصوصية وطلب الدعم في إنجاز المشاريع والواجبات الأكاديمية. منها: وجود صعوبة لدى بعض الطلاب في فهم المقرر، وبعضهم يعاني من ضعف في مهارات البحث والكتابة، وضيق الوقت وكثرة الالتزامات الأكاديمية التي تدفع بعض الطلاب للبحث عن دعم إضافي، واعتيادهم في مراحلهم السابقة على الاعتماد على المعلم الخاص، وعدم القدرة على التخلص من هذه العادة حتى في الجامعة، بالإضافة إلى قلة الجودة. يلعب التدريس الأكاديمي دورًا رئيسيًا. عندما لا يكون المحتوى مثيرا للاهتمام أو تكون طريقة الشرح تقليدية، يشعر الطالب بالحاجة إلى بديل أكثر تفاعلية. ولذلك فإن مسؤولية مضاعفة تقع على عاتق الطالب والأستاذ على حد سواء، مؤكدا أن الحل لا يكمن فقط في مكافحة الدروس الخصوصية، بل في تطوير نظام التعليم الجامعي ليكون أكثر تفاعلا وداعما للطلبة، وتعزيز مهاراتهم البحثية والتفكير النقدي.
السوق المفتوحة
أكدت خبيرة القيادة التربوية الدكتورة فاطمة المراشدة، أن ظاهرة الدروس الخصوصية انتقلت من مرحلة التعليم المدرسي إلى التعليم الجامعي، لكنها اتخذت شكلاً جديداً يعتمد على المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت سوقاً مفتوحاً لتقديم الخدمات التعليمية والمساعدة الأكاديمية مقابل المال، مشيرة إلى أن الطلاب الذين اعتادوا في مراحلهم السابقة الاعتماد على المعلم الخصوصي لم يتمكنوا من التخلص من هذه العادة حتى في الجامعة، مما رسخ فيهم ثقافة التبعية والبحث عن الحلول السريعة بدلاً من الاستسلام. المجهود الذاتي في الفهم والبحث.
وقال المراشدة: “إن لجوء طلبة الجامعات إلى الدروس الخصوصية يعكس وجود فجوة بين أساليب التدريس الجامعي وتوقعات الطلاب، حيث تعتمد بعض البرامج الأكاديمية على العرض النظري الجاف أو لا تقدم الدعم الكافي في مواد علمية دقيقة، مما يدفع الطلاب إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية لتعويض هذا النقص أو لتحسين درجاتهم الأكاديمية، كما تلعب ضغوط الوقت والعبء الأكاديمي وضعف مهارات التعلم الذاتي دوراً في ذلك”.
وأضافت: “بعض الطلاب يدخلون الجامعة دون أن يمتلكوا أدوات الدراسة المستقلة أو القدرة على إدارة وقتهم بفعالية. الحل لا يكمن فقط في مكافحة الدروس الخصوصية، بل في تطوير نظام التعليم الجامعي ليكون أكثر تفاعلاً وداعمة للطلاب، وتعزيز مهارات البحث والتفكير النقدي لديهم. فالتعليم الحقيقي لا يعتمد على المساعدات الخارجية، بل على رغبة الطالب في التعلم واكتساب المعرفة بجهده وإصراره”.
في حين أشار أستاذ علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في جامعة أبوظبي، الدكتور مراد الرجب، إلى أن الدروس الخصوصية ليست ظاهرة جديدة، حتى لو لم تنتشر في الجامعات مثل المدارس. لكن في الجامعات يقابل ذلك انتشار استخدام الطلاب لخدمات المكاتب الخارجية في إعداد وتنفيذ البحوث والمشاريع والتكليفات الجامعية مقابل مبالغ مالية، لافتا إلى انتشار حسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات “الواتساب” التي تروج للخدمات الجامعية، وبعض هذه الحسابات متخصصة في مواد معينة أو جامعة معينة.
وأرجع الرجب سبب لجوء الطالب إلى الدروس الخصوصية إلى العبء الثقيل على الطالب، واستمرار النظام التقليدي في التعامل معه، وكثرة الطلبات في كل مادة، حيث يجد الطالب أنه يكلف بخمسة مشاريع لخمس مواد مخصصة له في الفصل الدراسي، وفي الوقت نفسه تراجع شغف التعلم لدى الطلاب، وأصبحوا معتمدين واعتمادهم الأساسي على “GBT Chat” والذكاء الاصطناعي، مما سيؤدي مستقبلاً إلى زيادة الاعتماد بين الطلاب، وظهور المشاكل التربوية والتربوية.
وأيدت هذا الرأي أستاذة علم البيانات في الجامعة الأوروبية للعلوم التطبيقية في دبي، الدكتورة إيمان أبو خوصة، التي أشارت إلى أن الاعتماد المتزايد على الدروس الخصوصية بين طلاب الجامعة يعكس بالأساس فجوة في العلاقة بين الطالب ومؤسسته التعليمية. فالطالب هو واحد من كثيرين يخوضون تجربة تعليمية تصمم أحياناً بمعزل عن قدراتهم الفردية، دون أن تمنحهم مساحة للتعبير عن صوتهم وتجربتهم داخل الفصل الدراسي. ولا تعني هذه الظاهرة بالضرورة تراجعاً في جودة التعليم، بل تكشف عن تحول في ثقافة التعلم نفسها. يركز العديد من الطلاب على اجتياز المتطلبات الأكاديمية بدلاً من استكشاف المعنى الكامن وراء ما يتعلمونه.
وقالت: “في التعليم الجامعي يجب أن نعمل على بناء نموذج مختلف يعيد للطالب تجربة الطالب كعنصر محوري في العملية التعليمية، ويدخله في حوار حول ما يتعلمه وكيف يتعلمه. وهذا النهج لا يعتمد على حلول سريعة، بل على ممارسات تعليمية واعية تعيد الثقة بين الطالب والجامعة، وأبرزها تحويل القاعات إلى مساحات للنقاش والتطبيق العملي، وربط المقررات بقضايا واقعية تجعل الطالب يرى أثر المعرفة في حياته اليومية”.
وأضافت: “من المهم اعتماد التعلم القائم على المشاريع، وتفعيل جلسات الإرشاد الأكاديمي المنتظمة التي تساعد الطلاب على تنظيم تعلمهم دون اللجوء إلى الدروس الخارجية، وإشراكهم في تصميم المهام والنتائج لتعزيز شعورهم بالملكية والمسؤولية عن تعلمهم”، مؤكدة أنه عندما يشعر الطالب أن صوته مسموع وأن تجربته ذات معنى، فإن الدافع للتعلم يصبح ذاتياً وغير مفروض، لأن التعليم الجامعي الناجح لا يقاس بعدد المحاضرات، بل بقدرة المؤسسة على إشعال شغف الطالب. للتعلم حتى خارج أسوارها.
التحولات
من جانبها، أكدت دكتورة القيادة التربوية في جامعة أميتي دبي، ميغري نازاريان، أن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد تقتصر على التعليم المدرسي، بل امتدت لتشمل المرحلة الجامعية أيضاً، وهو ما يعكس تحولات في الثقافة التعليمية لدى بعض الطلاب الذين أصبحوا ينظرون إلى الدعم الأكاديمي الخارجي كوسيلة لتعزيز فرصهم في النجاح، بدلاً من التركيز على تطوير مهاراتهم الذاتية في البحث والفهم والتحليل، مشيرة إلى أن هذا الأمر يرتبط عملياً بزيادة متطلبات المقررات الجامعية وتنوع أساليب التقييم، وهو ما يجعل بعض الطلاب ابحث عن طرق إضافية. للمواكبة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعملون جنبا إلى جنب مع دراستهم ويجدون صعوبة في التوفيق بين الاثنين.
وقالت: “التعود على الدروس الخصوصية منذ المراحل الأولى قد يمنح الطالب شعوراً بالاعتماد على الآخرين بدلاً من الاعتماد على الذات، مما يساهم في تعزيز الاعتماد لدى الطلاب، وعندما ينتقل الطالب إلى الجامعة يجد نفسه في فجوة بين ما اعتاد عليه وبين ما هو مطلوب منه، فيبدأ بالبحث عن بدائل مماثلة مثل المساعدة الأكاديمية، أو الاعتماد المفرط على الزملاء بدلاً من تطوير مهارات الاستقلالية والتفكير النقدي”، لافتة إلى أهمية غرس مهارات التعلم الذاتي في المراحل الدراسية المبكرة.
وأضاف نازاريان، أن “الأساتذة الجامعيين يُمنعون من تقديم خدمات تعليمية مدفوعة الأجر للطلاب المسجلين لديهم، تفادياً لتضارب المصالح”. أما الطلبة، فيتم توعيةهم بمخاطر الاعتماد على جهات خارجية في إعداد مشاريعهم أو أبحاثهم، حفاظاً على أصالة ومصداقية العمل الأكاديمي»، مشيراً إلى أن الجامعات في الإمارات تسعى إلى توفير مراكز دعم أكاديمي داخلية، ليحصل الطالب على المساعدة المطلوبة ضمن بيئة تعليمية تخضع للإشراف والتوجيه.
التقييم على أساس المخرجات
بدأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تطبيق إطار التقييم المبني على المخرجات، والذي يتضمن ستة محاور أساسية تتضمن 24 مؤشر أداء رئيسي، مع تحديد الوزن النسبي لكل محور. وتشمل الركائز: نتائج التوظيف (25%)، نتائج التعلم (25%)، التعاون مع الشركاء (20%)، نتائج البحث العلمي (15%)، السمعة والحضور العالمي (10%)، والمشاركة المجتمعية (5%). وأوضح القرار مؤشرات الأداء الرئيسية التي تم اعتمادها لإجراء التقييم المبني على المخرجات في كل ركيزة.
وتهدف المحاور إلى قياس القدرة على تأمين وظائف مناسبة وعالية الجودة لأكبر نسبة من الخريجين، واكتساب الطلاب للمهارات، والشراكات الفعالة في مجال البحث والتدريب والتوظيف، وتأثير البحوث على الاقتصاد والمجتمع، والمكانة العالمية ومستوى التقييم في التصنيفات الدولية، بالإضافة إلى مدى تأثير الجامعة الإيجابي على المجتمع ككل.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر




