ماذا يريد قادة “الكيان الصهيوني” من سوريا؟

رغم أن ما أنجزته عملية “ردع العدوان” جلب الفرحة للغالبية العظمى من السوريين، إلا أن قيادة هيئة تحرير الشام لهذه العملية أربك البعض من الذين لديهم موقف من الهيئة وقائدها (الرئيس الحالي لسوريا)، وهكذا اتفق أغلب هؤلاء مع المذهولين من أتباع النظام البائد على أن عملية التحرير لم تكن سوى عملية استلام وتسليم تنفيذا لتوافق دولي وإقليمي؛ وللكيان الصهيوني فيه اليد الطولى.
وفي تفسير الضربات الأولى التي نفذها سلاح الجو التابع للكيان الصهيوني قال مؤيدو النظام المخلوع إن هذا أحد بنود الاتفاق. ولكن ماذا عن كل هذا التمادي الصهيوني الذي ينم عن إرباك وتخبط واضحين؟
من غير قصد تسبب الكيان بإسقاط النظام المخلوع
في آخر ما أدلى به “نتنياهو”: إن عملية “البيجر” أدت إلى سقوط النظام السوري، قالها بطريقة تحمل في ثناياها شيئا من الأسف، فالكيان الصهيوني خلال الضربات التي نفذها في سوريا أثناء وجود النظام البائد لم يستهدف سوى الميليشيات الإيرانية، ولم توجه ضربة واحدة لقوات النظام البائد، باستثناء بعض الضربات التي وجهت لمطاري دمشق وحلب بهدف منع إيران من استخدام هذين المطارين في عملية الإمداد اللوجستي ونقل الأسلحة.
كما أن المسؤولين الصهاينة كانوا شديدي الوضوح في تصريحاتهم بأنهم كانوا يستهدفون الوجود الإيراني في سوريا، ولعلهم في هذا السلوك كانوا يقدمون خدمة جليلة للنظام السوري الذي أصبح يشعر – في الآونة الأخيرة – بالضيق من وجود هذه الميليشيات على الأراضي السورية، خاصة أن كل الأبواب التي فتحت له اشترطت عليه تحجيم النفوذ الإيراني. وعندما نعلم أن النظام البائد لم يكن يمتلك الجرأة لكي يطلب من نظام الملالي سحب ميليشياته من الأراضي السورية نستطيع أن نكتشف حجم الخدمة التي كان يقدمها الكيان الصهيوني للنظام البائد.
اعتبارا من اليوم الأول اختاروا التصعيد نتيجة شعورهم أن التصعيد يحقق لهم ميزات معينة، متسلحين باعتقاد فحواه: أن الطرف الآخر لن يخاطر بتصعيد الموقف.
الخوف والتوجس أهم دوافع الصهاينة
منذ نشأته الأولى وجد الكيان الصهيوني نفسه في بقعة صغيرة من الأرض محاصرة من كل الجهات بشعوب معادية حتى النخاع، وهذا الواقع الجيوسياسي صبغ السياسة الصهيونية بمزيد من الخوف والتوجس، وهكذا بعد أن جاور الصهاينة نظاما فهموا أدق تفاصيله، وخاصة أن كل سياساته تتمحور حول هدف واحد هو الحفاظ على السلطة؛ وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة نظام جديد أثار في نفوسهم الشك والريبة، واعتبارا من اليوم الأول اختاروا التصعيد نتيجة شعورهم أن التصعيد يحقق لهم ميزات معينة، متسلحين باعتقاد فحواه: أن الطرف الآخر لن يخاطر بتصعيد الموقف. وعلاوة على التوجس من القادم الجديد يعتقد البعض أن ضغط الرأي العام في البيئة التي تعمل فيها حكومة نتنياهو تجبرها على تصعيد الموقف حتى وإن لم توجد الأسباب الموجبة، بينما يعتقد البعض الآخر أن التصعيد الصهيوني جاء كنتيجة للضغط الواقع تحته من طرف ثالث خارج دائرة الصراع، والمقصود هنا تركيا.
استغلال صهيوني لضعف الإدارة السورية الجديدة
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: عدوان مستمر وتصريحات استفزازية. ولكن ما يميز التصريحات للمسؤولين الصهاينة هو التخبط والارتباك، فهم في البداية من أجل انسحابهم من المناطق التي دخلتها قواتهم في الجنوب السوري طالبوا بضمانات تركية في خطوة تبدو أشبه بالاعتراف بالنفوذ التركي في سوريا، ثم ما لبثوا أن التجؤوا لخطوات استفزازية وكأنهم يريدون إيصال رسالة للحكومة السورية الجديدة بأن تركيا غير قادرة على حمايتكم، وللحكومة التركية أنه في سوريا لنا الكلمة الفصل وليس لكم، ثم قيل إن الصهاينة التجؤوا إلى موسكو وإلى واشنطن للتوسط من أجل إبقاء سوريا تحت النفوذ الروسي. وفي مجمل الأحوال يبدو أن الكيان الصهيوني يستغل ضعف الحكومة السورية الجديدة التي استلمت بلدا محطما أسوأ استغلال، فهم – على ما يبدو – ينتظرون دخول الوسطاء من أجل التوصل لتفاهمات واتفاقيات تكون نتيجتها الحتمية تقييد الحكومة السورية بقيود تشبه تلك التي وضعت على مصر على إثر اتفاق “كامب ديفيد”. لا قوات عسكرية في سيناء، ولا قوات عسكرية في الجنوب السوري.
انهيار الدولة السورية الجديدة مازال يعتبر خطا أحمر لن يسمح بتجاوزه، وأن ما يحصل بمجمله لا يعدو عن كونه ضغوطا من أجل تشكيل الدولة الجديدة
الدولة العازلة خيار مطروح
الأخطر من ذلك أن الكيان الصهيوني يبدو أنه يلوح بخيار الدولة العازلة فيما لو فشل في تحجيم النفوذ التركي في سوريا، وفكرة الدولة العازلة ليست من وحي الخيال ففكرة العزل قديمة جدا ظهرت مع توسع القبائل البدائية وازدياد الصراع فيما بينها، حيث لجأت الكثير من هذه القبائل إلى ترك بعض الأراضي فارغة لمنع الاحتكاك المباشر فيما بينها، أما مصطلح الدولة العازلة فقد أطلق لأول مرة على أفغانستان عام 1883 حيث قامت بهذا الدور بين كل من الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية. وبالعموم يشير مفهوم الدولة العازلة إلى دولة ضعيفة صغيرة الحجم ليس لها سياسة خارجية خاصة بها، تتمركز بين دولتين قويتين أو أكثر وظيفتها منع النزاعات أو العدوان بين هذه الدول. بمعنى آخر؛ يبدو أن توغل القوات الصهيونية في الجنوب السوري ليس مجرد احتياطات أمنية مؤقتة كما ادعى المسؤولون الصهاينة، فمغازلة بعض المكونات الاجتماعية في تلك المناطق يشي بما هو أخطر من ذلك. أي لربما إن سارت الأحداث وفق نسق معين قد يلجأ الصهاينة لإنشاء دولة صغيرة في الجنوب تكون بمثابة الدولة العازلة بين سوريا الواقعة تحت النفوذ التركي وبين الكيان الصهيوني.
أخيرا، لا بد من التأكيد أن انهيار الدولة السورية الجديدة مازال يعتبر خطا أحمر لن يسمح بتجاوزه، وأن ما يحصل بمجمله لا يعدو عن كونه ضغوطا من أجل تشكيل الدولة الجديدة بشكل يتواءم مع رؤية القوى الدولية والإقليمية، فكما قلنا في مقال سابق: لا يمكن للسياسيين أن يفعلوا ببساطة ما تريده شعوبهم، أو حتى ما يريدوه هم أنفسهم إذا ما واجهت رغباتهم ضغطا دوليا قويا.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر