تحالف تجاري جديد يهدد طموحات ترامب في الحرب الجمركية

القاهرة: هاني كمال الدين
في ظل تزايد التوترات العالمية بسبب السياسات الاقتصادية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبرز اليوم ملامح تحالف تجاري قوي تقوده كل من الصين والاتحاد الأوروبي، مدعومًا من الهند، في مواجهة ما أصبح يُعرف بـ”الحرب التجارية بين أمريكا والصين”. هذا التحالف قد يشكل منعطفًا حاسمًا في مسار العلاقات الاقتصادية الدولية، ويفرض تحديات جدية على أهداف ترامب الرامية لإعادة هيكلة التجارة العالمية لصالح الولايات المتحدة.
الصين والاتحاد الأوروبي: نحو تحالف استراتيجي شامل
خلال لقاء جمع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز في بكين، أكد شي على التزام بلاده بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع أوروبا، مشددًا على أهمية الدفاع عن النظام التجاري العالمي ضد السياسات الأحادية والحمائية. الصين، التي تخوض صراعًا مستمرًا في إطار الحرب التجارية بين أمريكا والصين، ترى في أوروبا شريكًا مثاليًا لإعادة التوازن التجاري العالمي، وتوسيع شبكة التجارة الحرة بعيدًا عن الضغوط الأمريكية.
خبراء المنتدى الاقتصادي: تنسيق ثلاثي يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي
يرى خبراء المنتدى الاقتصادي العالمي أن أوروبا ستكون في موقع فريد لقيادة المواجهة ضد السياسات الجمركية الأمريكية، خاصة في حال توسيع التعاون مع كل من الهند والصين. التحالف الثلاثي هذا قد يقلب موازين القوة في التجارة العالمية، ويعزز من قدرة هذه القوى الاقتصادية على مقاومة الابتزاز الجمركي الأمريكي.
البيروقراطية الأوروبية: سلاح فعّال في الحرب التجارية
وفقًا لأندرو كاروانا غاليتسيا، رئيس قسم أوروبا وأوراسيا في المنتدى الاقتصادي العالمي، يتمتع الاتحاد الأوروبي بجهاز بيروقراطي تجاري عالي الكفاءة، يمتلك الصلاحيات اللازمة للتفاوض باسم الكتلة الأوروبية بأكملها. هذا يسمح للاتحاد بالتحرك بسرعة وفعالية في وجه التحديات الجمركية، كما أن آليات اتخاذ القرار فيه تتيح له الرد دون الحاجة إلى إجماع كل أعضائه، ما يجعله مرنًا في مواجهة الضغوط الأمريكية.
استراتيجية أوروبا المزدوجة: تفادي الصدام المباشر وتعزيز السوق الصينية
تعمل أوروبا على تجنب الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة، مع التركيز على مضاعفة صادراتها إلى الصين التي تشهد نموًا في الطبقة المتوسطة وارتفاعًا في القوة الشرائية. هذه المقاربة تعكس إدراكًا أوروبيًا بضرورة تنويع الأسواق وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، خاصة في ظل الحرب التجارية بين أمريكا والصين التي تضع الكثير من القطاعات الاقتصادية تحت الضغط.
تحذيرات من مغبة نقل الصناعات إلى أمريكا
يرى محللو المنتدى الاقتصادي أن نقل خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية سيكون خيارًا مكلفًا وغير مضمون النتائج. بناء مصانع جديدة في الأراضي الأمريكية يتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلًا، وقد لا يحقق العوائد المرجوة قبل انتهاء ولاية ترامب الرئاسية، أو حتى رحيله عن السلطة في 2028، وهو ما يجعل من الأفضل الانتظار ومواصلة المفاوضات الاستراتيجية.
الانتخابات الأمريكية القادمة: نقطة تحول محتملة
تُعقد الآمال على الانتخابات النصفية المقبلة في الولايات المتحدة عام 2026 لإعادة تشكيل موازين القوى السياسية الداخلية، ما قد ينعكس مباشرة على سياسات التجارة الخارجية. ويرى الخبراء أن تغير تركيبة الكونغرس قد يضعف موقف ترامب التفاوضي ويمنح القوى الاقتصادية الأخرى مساحة أكبر للمناورة.
خسائر محتملة لأوروبا… وبدائل من آسيا
تشير التقارير إلى أن الخسائر الأوروبية المحتملة بسبب فقدان السوق الأمريكية تُقدر بأكثر من 236 مليار دولار، مما دفع الاتحاد الأوروبي للبحث عن بدائل في آسيا، خاصة عبر توسيع العلاقات مع الهند وتفعيل خطط تجارية طويلة الأمد معها. وفي هذا السياق، تم الإعلان عن زيارة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي إلى بكين في يوليو 2025، في خطوة تهدف إلى تعميق التعاون مع الصين وتعزيز الشراكة الاقتصادية.
القطاعات المهددة في أوروبا: الكيماويات والسيارات والهندسة
بحسب مؤسسة “فيتش للتصنيف الائتماني”، فإن القطاعات الأكثر تعرضًا للخطر في أوروبا هي الصناعات الكيماوية، وصناعة السيارات، والهندسة الميكانيكية. إذ يُتوقع أن تواجه هذه القطاعات منافسة شرسة في الأسواق العالمية، خاصة مع تباطؤ النمو في الولايات المتحدة وأوروبا، وتراجع الطلب في الصين، ما يعمق أثر الحرب التجارية بين أمريكا والصين على الاقتصاد العالمي.
الصين تعبئ مؤسساتها وتطلق حملة دبلوماسية واسعة
ردًا على التصعيد الأمريكي، نقلت السلطات الصينية مسؤوليها المدنيين إلى وضع طوارئ شبه عسكري، مع إلغاء الإجازات لجميع الموظفين في وزارات الخارجية والتجارة. وتم تكليف هؤلاء بتكثيف الاتصالات مع حكومات العالم، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة ضد الرسوم الأمريكية. وقد عززت الصين هذه التحركات بحملة إعلامية داخلية استشهدت بكلمات الزعيم التاريخي ماو تسي تونغ: “لن نستسلم أبدًا”.
اتصالات محدودة مع إدارة ترامب الجديدة
رغم المحاولات الصينية لإعادة بناء قنوات الاتصال مع إدارة ترامب بعد إعادة انتخابه، لم تحقق هذه المحاولات نتائج ملموسة. فقد أوضح المسؤولون الأمريكيون أن الاتصالات مع الصين لن تُجرى من أجل الحوار فقط، بل يجب أن تخدم المصالح الأمريكية بصورة واضحة، وهو ما أدى إلى جمود في العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.
خطط صينية للتوسع الإقليمي وتأكيد على العلاقات مع آسيا
أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن زيارات مرتقبة للرئيس شي جين بينغ إلى كل من فيتنام وماليزيا وكمبوديا، مؤكدًا أن هذه الزيارات تهدف إلى تعزيز التعاون مع دول رابطة آسيان، وتوسيع دائرة الشراكات الاستراتيجية الإقليمية.
أمريكا تراهن على الانقسام الأوروبي… والصين ترد بالشراكة
يرى محللو مراكز أبحاث أمريكية أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين لن تؤدي بالضرورة إلى تحالف استراتيجي دائم بين الصين والاتحاد الأوروبي، بسبب وجود خلافات هيكلية بين الطرفين، خاصة في قطاعات السيارات والتكنولوجيا النظيفة. ومع ذلك، فإن تنامي التهديدات الأمريكية قد يدفع أوروبا لإعادة النظر في خياراتها وتعزيز التنسيق مع بكين على المدى الطويل.
- للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر