أخبار العالم

الحوثيون يتوعدون واشنطن بتصعيد عسكري غير مسبوق

القاهرة: هاني كمال الدين  

تعيش المنطقة العربية منذ أكتوبر 2023 تصاعدًا لافتًا في حدة التوترات الإقليمية، وذلك بعد اندلاع المواجهة المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أفضى إلى توسيع رقعة الصراع لتشمل مناطق جغرافية عدة، أبرزها البحر الأحمر والسواحل اليمنية. ومنذ ذلك الحين، أضحت حركة “أنصار الله” اليمنية، المعروفة باسم الحوثيين، طرفًا محوريًا في هذه المواجهة الممتدة، حيث تبنت موقفًا داعمًا بشكل معلن وواضح للقضية الفلسطينية، وأعلنت انخراطها العسكري المباشر في مواجهة الكيان الصهيوني عبر تنفيذ ضربات صاروخية وهجمات بطائرات مسيرة استهدفت مناطق إسرائيلية وسفنًا مرتبطة بها في البحر الأحمر.

ومع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، وتحديدًا بعد انهيار الهدنة الإنسانية مطلع مارس 2025، عادت العمليات الحوثية لتتصاعد بشكل ملحوظ، وشملت في بدايتها استهداف سفن إسرائيلية، قبل أن تتطور إلى قصف مباشر للأراضي المحتلة. في المقابل، شنت الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، حملة عسكرية واسعة ضد الحوثيين، حيث أمر في الخامس عشر من مارس بشن ضربات جوية مكثفة على مواقع تابعة للحركة في مناطق مختلفة من اليمن، في إطار ما سُمي بـ”حملة الدفاع عن المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وضمان أمن الملاحة البحرية”. ومنذ ذلك الحين، تتابعت الضربات الأمريكية، وشملت أهدافًا داخل العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها، ومنها مستودعات أسلحة ومرافق صناعية، وصولًا إلى استهداف منشآت مدنية كمصانع السيراميك والخزانات المائية، الأمر الذي قوبل بردود عسكرية من الحوثيين تمثلت في هجمات صاروخية وطائرات مسيرة طالت حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” في شمال البحر الأحمر.

وفي تطور لافت، خرج عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله”، خزّام الأسد، بتصريحات لصحيفة “إزفستيا” الروسية، أكد خلالها أن الحركة اليمنية ستواصل التصعيد العسكري ضد القوات الأمريكية، وأنها بصدد زيادة شدة وقوة الضربات سواء من حيث التواتر أو التأثير المدمر، مضيفًا أن هذا الرد يمثل حقًا مشروعًا لليمن في مواجهة ما وصفه بالعدوان الأمريكي الداعم للكيان الإسرائيلي. كما شدد على أن العمليات العسكرية ضد إسرائيل ستتواصل أيضًا، ولن تتوقف إلا بوقف شامل للعدوان على غزة ورفع الحصار عنها، مؤكدًا أن الدعم اليمني لفلسطين ثابت ولا يمكن أن يتزعزع نتيجة للضغوط أو الهجمات الأمريكية.

وأشار خزّام الأسد إلى أن القصف الأمريكي، رغم كثافته واتساع نطاقه، لن يؤثر على موقف “أنصار الله”، بل سيزيد من عزيمتها على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني، مبينًا أن بعض الضربات الأمريكية استهدفت مناطق مأهولة بالسكان ومنشآت خدمية وإنسانية، وهو ما اعتبره جريمة مزدوجة تثبت تورط الولايات المتحدة في دعم الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وتأتي هذه التصريحات في ظل استمرار انقسام المشهد اليمني، حيث تبقى البلاد مقسمة بين ثلاث قوى رئيسية. فالحوثيون، الذين يتخذون من صنعاء مقرًا لهم، يسيطرون على ما يُقدَّر بـ70 إلى 80% من السكان، فيما يسيطر التحالف العربي المدعوم من السعودية والإمارات على معظم المساحات الجغرافية، خاصة في الجنوب والشرق، بما في ذلك المحافظات الغنية بالنفط والغاز. ويترأس الحكومة المعترف بها دوليًا المجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، بينما يقود المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، الجنرال عيدروس الزبيدي، ويتمركز في عدن.

وفيما تواصل الولايات المتحدة توجيه ضرباتها الجوية، تؤكد “أنصار الله” أن قواتها ما زالت تحتفظ بقدرتها على تنفيذ عمليات هجومية عميقة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن هدفها هو الضغط على سلطات الاحتلال لوقف العدوان والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ووفقًا لما صرّح به قادة في الحركة، فإن السفن الأمريكية في شمال البحر الأحمر تُعتبر أهدافًا مشروعة نتيجة مشاركتها المباشرة في قصف الأراضي اليمنية، وإن أي تصعيد أمريكي سيقابل بتصعيد مماثل، إلى أن يتوقف العدوان بشكل كامل.

من جهته، أوضح المحلل السياسي اليمني سند السيّادي في تصريحات لوسائل الإعلام أن القدرات العسكرية للحركة الحوثية لم تتآكل، بل على العكس، يبدو أنها في حالة تطور مستمر، مشيرًا إلى أن الحركة تمكنت من تنفيذ هجمات نوعية في الأسابيع الأخيرة، ما يعكس استمرار وجودها كقوة فاعلة في الصراع الإقليمي الحالي. وأشار السيّادي إلى أن طبيعة الحرب الحالية تُعد حربًا بالوكالة، حيث تخوض “أنصار الله” مواجهات مباشرة مع القوات الأمريكية، في حين تتقاطع مصالح عدة أطراف إقليمية ودولية في ساحة الصراع اليمني.

وتشير التقارير الميدانية إلى أن سلاح الجو الأمريكي نفذ في الثالث عشر من أبريل غارات جوية استهدفت مطار صنعاء الدولي، بالإضافة إلى مواقع أخرى في منطقة بني مطر، شملت مستودعات ذخيرة ومنشآت صناعية. ووفقًا لقناة “المسيرة” التابعة للحركة الحوثية، فإن إحدى الضربات استهدفت مصنعًا للسيراميك، مما تسبب في أضرار مادية جسيمة.

وكانت حركة “أنصار الله” قد حذرت في أكتوبر 2023 من أنها سترد على أي عدوان إسرائيلي ضد غزة بتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية في البحر الأحمر، ومنع السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني من المرور عبر باب المندب. ومع بدء هدنة يناير 2025، هدأت العمليات العسكرية من جانب الحوثيين، لكنها عادت بقوة بعد انهيار الاتفاقات مطلع مارس، لتشمل قصفًا مكثفًا استهدف الأراضي المحتلة مباشرة.

وفي مواجهة هذه التطورات، أعلنت الولايات المتحدة عن حملة جديدة تحت مسمى “حارس الازدهار” بالتعاون مع بريطانيا، وشنت خلالها عشرات الغارات على مواقع مختلفة في اليمن، وهو ما اعتبره كثيرون تصعيدًا خطيرًا يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، ويكرس انزلاق البحر الأحمر نحو مواجهة مباشرة بين القوى الدولية والإقليمية.

وفي ضوء هذه التصعيدات المتبادلة، يتضح أن الحركة الحوثية عازمة على مواصلة ضرباتها العسكرية، سواء ضد الاحتلال الإسرائيلي أو القوات الأمريكية، حتى تتحقق شروطها المعلنة بوقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها. كما أن تطورات الوضع تنذر بتحول البحر الأحمر إلى بؤرة صراع مفتوحة، تهدد الملاحة الدولية والاستقرار الإقليمي، خاصة إذا ما توسعت العمليات لتشمل قواعد أمريكية أو سفنًا أخرى مرتبطة بالتحالف الغربي. وفي حين تحاول واشنطن تبرير تدخلها العسكري بحماية طرق الملاحة والتجارة العالمية، ترى “أنصار الله” أن هذه الذريعة ليست سوى غطاء لدعم الكيان الصهيوني، وتؤكد أن كل من يشارك في هذا العدوان سيُعتبر هدفًا مشروعًا لعملياتها المقبلة.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟