صحة و جمال

أمل جديد لمرضى العمود الفقري: علاج حيوي واعد

القاهرة: زيزي عبد الغفار  

في إنجاز علمي واعد، أعلن فريق من الباحثين في جامعة ماكاو عن تطوير مادة حيوية ذكية قادرة على ترميم الأقراص الفقرية المتدهورة بفعالية ودون الحاجة إلى تدخل جراحي. هذه المادة الجديدة، التي أطلق عليها العلماء اسم GMOC، تمثل تحولًا نوعيًا في مجال علاج آلام الظهر المزمنة الناتجة عن تآكل الأقراص الغضروفية بين الفقرات، وهي من المشكلات الصحية الأكثر شيوعًا حول العالم، خصوصًا مع التقدم في العمر.

يتمثل جوهر الابتكار في استهداف مباشر للخلل الجزيئي الذي يساهم في تفاقم تدهور الأقراص، والمتمثل في انخفاض مستويات بروتين مهم يُعرف باسم MFG-E8. هذا البروتين يؤدي دورًا مركزيًا في الحفاظ على تكامل الأنسجة وتوازن البيئة الخلوية في الأقراص الفقرية، ويشكّل حلقة وصل حيوية بين الخلايا والمكونات خارج الخلوية.

وعند انخفاض تركيز هذا البروتين، تبدأ سلسلة من التفاعلات التي تؤدي إلى فقدان رطوبة القرص، وتفكك بنيته، وتراجع قدرته على امتصاص الضغط، مما يفاقم من أعراض الألم ويزيد خطر الانزلاق الغضروفي والتصلب الفقري. ولهذا السبب، اتجه الفريق العلمي إلى هندسة مادة GMOC، المستخلصة من الجلوكومانان، لتكون بمثابة دعامة حيوية تعيد تحفيز البيئة الخلوية على إنتاج MFG-E8 واستعادة التوازن الفسيولوجي داخل القرص المتدهور.

تتميز المادة الجديدة بعدة خصائص تجعلها أكثر فاعلية من العلاجات التقليدية؛ فهي مقاومة للإنزيمات التحليلية التي تُفكك المركبات الحيوية الأخرى مثل حمض الهيالورونيك، ما يمنحها قدرة على البقاء لفترات أطول داخل الجسم، ويعزز تأثيرها الترميمي على المدى البعيد.

وقد أثبتت التجارب المعملية التي أُجريت على نماذج حيوانية، شملت الفئران والأرانب، نتائج مذهلة. حيث أظهرت الحيوانات التي خضعت لحقن المادة في الأقراص التالفة تحسنًا واضحًا في مستويات الرطوبة داخل النسيج الغضروفي، واستقرارًا ملحوظًا في ارتفاع القرص، إلى جانب انخفاض في مؤشرات الألم والتهابات المفاصل المحيطة.

وبحسب الباحثين، فإن المادة تعمل كمزيج بين حاجز حيوي يحمي من مزيد من التدهور، وبيئة ترميمية تشجع الخلايا على إعادة بناء الأنسجة المتضررة. وهو ما يجعلها تختلف عن المفاهيم التقليدية للعلاج، التي غالبًا ما تركز على التسكين أو استبدال الأجزاء المتضررة عبر الجراحة.

لكن ورغم هذا التقدم اللافت، فإن الدراسة لم تخلُ من التحديات. فقد أشار الفريق العلمي إلى أن الجين المسؤول عن ترميز بروتين MFG-E8 في نماذج الفئران يتداخل وظيفيًا مع جينات أخرى تؤدي أدوارًا حيوية، ما صعّب إمكانية تعطيل هذا الجين بالكامل لدراسة آثاره بدقة. ومن هنا، وجّه الباحثون دعوة مفتوحة إلى المراكز البحثية حول العالم للتعاون في تطوير نماذج بديلة أكثر دقة، بما يتيح تقييم إمكانات العلاج الجديد في ظروف أقرب إلى الواقع البشري.

يُذكر أن هذه الدراسة تأتي في وقت يتزايد فيه الاهتمام الدولي بالحلول غير الجراحية لعلاج الأمراض المزمنة، خاصة تلك المرتبطة بتقدم العمر، مثل هشاشة العظام وتلف المفاصل. ويُعد هذا الابتكار إضافة ثمينة إلى خريطة الطب التجديدي، الذي يسعى إلى دعم الجسم بوسائل طبيعية لتجديد خلاياه بدلًا من استبدالها أو تسكينها مؤقتًا.

وتوقع مختصون في طب العظام والعمود الفقري أن يفتح هذا العلاج الباب أمام تطوير حقن علاجية موجهة، يمكن استخدامها في المراحل المبكرة من تنكس الأقراص، بما يقلل من معدلات اللجوء إلى العمليات الجراحية، ويمنح المرضى خيارات علاجية أكثر أمانًا وفاعلية.

وفي ضوء هذه النتائج المبشّرة، يواصل فريق جامعة ماكاو تطوير المادة الحيوية الجديدة، مع خطة لتوسيع نطاق التجارب السريرية خلال السنوات القادمة، بما يشمل عينات بشرية وتقييمات طويلة المدى لتأثير المادة على الاستقرار الهيكلي والمناعي للعمود الفقري.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى