تقارير

الإنجاب مقابل الفقر: إندونيسيا تعيد تعريف الحقوق

القاهرة: هاني كمال الدين  

في خطوة غير مسبوقة أثارت جدلًا حادًا في الأوساط الدينية والشعبية، اقترح حاكم مقاطعة جاوة الغربية في إندونيسيا، ديدي موليادي، فرض شرط غير تقليدي على الرجال الإندونيسيين الراغبين في الحصول على المساعدات الاجتماعية في إندونيسيا، يتمثل في خضوعهم لعملية “فازيكتومي” — وهي عملية جراحية لتعقيم الذكور ومنعهم من الإنجاب مؤقتًا أو دائمًا.

الاقتراح، الذي وُصف من قبل مراقبين بأنه انتهاك صارخ للحقوق الإنسانية والدستورية، يقضي بربط المساعدات الحكومية بإجراء جراحي حساس، مما أدى إلى موجة عارمة من الغضب، خصوصًا في بلد يُعد من أكبر الدول الإسلامية سكانًا، حيث يشكل الدين جزءًا أساسيًا من الهوية المجتمعية.

الدافع الحكومي: تقليص الفقر أم انتهاك للكرامة؟

الحاكم موليادي برر اقتراحه بأن معدلات الفقر المرتفعة في المقاطعة تعود في جزء كبير منها إلى ارتفاع معدل الإنجاب غير المنضبط في الأسر محدودة الدخل، مشيرًا إلى أن ربط المساعدات الاجتماعية في إندونيسيا بتحديد النسل سيخلق توازنًا أفضل في توزيع الموارد الحكومية وسيخفف من العبء السكاني المستقبلي.

وقال في تصريح لوسائل الإعلام المحلية:

نريد أن نُعطي الدعم فقط للأسر القادرة على السيطرة على نموها السكاني. إذا ساعدت الفازيكتومي في هذا التوازن، يجب النظر إليها كحل.”

وأضاف أن الرجال الذين يوافقون على الخضوع للعملية سيحصلون على مكافأة مالية تعادل 500 ألف روبية (نحو 30 دولارًا أمريكيًا)، وهو مبلغ يُعد مغريًا نسبيًا في المناطق الريفية الفقيرة.

ردود دينية وشعبية غاضبة: “المساس بالخلق الإلهي”

الرد لم يتأخر كثيرًا، حيث أعربت شخصيات دينية بارزة وجماعات مجتمع مدني عن رفضها القاطع للاقتراح، معتبرة أنه يناقض القيم الدينية ويهدد النسيج المجتمعي الإندونيسي. وقال أحد كبار علماء الدين في بيان رسمي:

إن التعقيم الإجباري يُعد تدخلاً صريحًا في إرادة الخالق، ولا يمكن قبوله حتى لو كان مرفقًا بمساعدات أو دعم حكومي.”

كما وصف ناشطون القرار بأنه محاولة “لشراء الخصوبة”، وربط الحقوق الاجتماعية الأساسية بإجراء لا يراعي حق الفرد في اتخاذ قرارات تخص جسده وحياته.

فازيكتومي: إجراء طبي أم سياسة قسرية؟

عملية فازيكتومي تُجرى غالبًا في ظروف طوعية، وهي وسيلة فعالة لتنظيم النسل، لكنها في ذات الوقت مثيرة للجدل حين يتم فرضها كشرط. ما يزيد من خطورة الموقف هو أن العملية قد لا تكون قابلة للعكس دائمًا، وقد تسبب عقمًا دائمًا في بعض الحالات، ما يعني أن الأسر التي تخضع لها قد تُحرم إلى الأبد من الإنجاب.

ورغم محاولة الحاكم تهدئة الجدل بتأكيده أن الإجراء “قابل للعكس في بعض الحالات”، فإن الموقف ظل متأزمًا. في إندونيسيا، التي يتجاوز عدد سكانها 270 مليون نسمة، يُعد الطفل رمزًا للبركة والرزق، مما يجعل سياسات تقييد الإنجاب بالغة الحساسية.

سوابق دولية: هل يُحتذى بتجارب الصين؟

تجربة إندونيسيا ليست الأولى في هذا النوع من السياسات؛ فقد طبقت الصين سياسة الطفل الواحد لعقود، نتج عنها تداعيات ديموغرافية واقتصادية كبيرة، دفعت الحكومة الصينية لاحقًا إلى إلغائها. ويتساءل كثيرون: هل يمكن أن تقع إندونيسيا في نفس الخطأ إذا مضت في فرض خيارات جسدية على مواطنيها مقابل الفتات المالي؟

حقوق الإنسان في مهب الريح

منظمات حقوقية محلية ودولية عبّرت عن قلقها العميق من اقتراح موليادي، معتبرة أنه يشكل انتهاكًا صريحًا للاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية القرار الجسدي وعدم التمييز على أساس اقتصادي. ويخشى مراقبون من أن يؤدي تنفيذ الاقتراح إلى موجة من الدعاوى القضائية والمقاطعة الشعبية، خصوصًا أن الفقراء في إندونيسيا يمثلون شريحة واسعة تعتمد على المساعدات الاجتماعية في إندونيسيا للبقاء على قيد الحياة.

مستقبل غامض: هل ستمضي الحكومة في تنفيذ الاقتراح؟

حتى هذه اللحظة، لم يتم اعتماد الاقتراح كقانون رسمي، إلا أن مجرد تداوله في الأوساط الحكومية يثير المخاوف بشأن التوجهات المستقبلية في السياسة السكانية الإندونيسية. وإذا تم تبني المقترح على مستوى وطني، فإن عواقبه قد تمتد إلى سنوات طويلة من الاضطراب الاجتماعي والانقسام الداخلي.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك؟