دكتور ميرفت عبدالرحمن تكتب: رد الجميل بين الوفاء والجحود

تقوم العلاقات الإنسانية على قيم متبادلة من الحب، والرحمة، والوفاء. فكل إنسان يمر في حياته بمحطات ضعف وألم، يحتاج فيها إلى من يمد له يد العون ويحتويه. ولعل أجمل ما يميز الإنسانية هو رد الجميل، أي أن يُقابل العطاء بالامتنان، والمساندة بالوفاء. غير أنّ الواقع كثيرًا ما يكشف صورًا مغايرة، حيث يتحول بعض الناس إلى ناكرين للجميل، بل وقد يردّون المعروف بالإساءة، مما يفتح بابًا للتساؤل حول جوهر العلاقات وصدقها.
رد الجميل ليس مجرد اعتراف لفظي بفضل الآخرين، بل هو منظومة أخلاقية متكاملة تقوم على:
1. الاعتراف بالفضل: أن يدرك الإنسان قيمة ما قُدّم له.
2. الامتنان العملي: أن يُترجم هذا الاعتراف إلى سلوك يحفظ مكانة من وقف بجانبه.
3. الوفاء بالعهد: أن يبقى ممتنًا مهما تغيّرت الظروف.
فالإنسان الوفي لا ينسى من حمل عنه أوجاعه، ولا يتنكر لمن كان سندًا له في ضعفه.
للأسف، لا يخلو الواقع من صور الجحود، حيث نجد أشخاصًا يقابلون الإحسان بالقسوة، ويجعلون من أقرب الناس إليهم متنفسًا لغضبهم وأحزانهم. هؤلاء قد يجدون الراحة في تفريغ ألمهم على من دعمهم، لكنهم في الحقيقة يكشفون عن هشاشة أخلاقية، وضعف في بناء الضمير الانساني
– نفسيًا: قد يلجأ البعض إلى الجحود كآلية دفاعية، فيحاولون إسقاط أوجاعهم على غيرهم حتى يشعروا بالخفة. لكن هذا السلوك يخلق فراغًا داخليًا أكبر ويجعلهم أسرى لعدم الاستقرار العاطفي.
– العلاقات القائمة على الجحود تضعف نسيج المجتمع، وتُفقد الثقة بين الأفراد، مما يؤدي إلى عزوف الناس عن مساعدة الآخرين خوفًا من الغدر.
– الوفاء معيار للإنسانية، والجحود علامة على تآكل القيم، ومن هنا تأتي خطورته على البناء الأخلاقي للمجتمعات.
من يتعرض للجحود عليه أن يدرك أنّ:
1. العطاء لا يجب أن يكون مشروطًا بالمقابل، لكنه يحتاج إلى حكمة في توجيهه.
2. من يخذلك يمنحك درسًا في التمييز بين الأصيل والطارئ.
3. التجربة مهما كانت مؤلمة، تبني شخصية أكثر صلابة وقدرة على الاختيار الصحيح لاحقًا.
المطلوب اليوم هو ترسيخ ثقافة الوفاء ورد الجميل في التربية والتعليم والخطاب الديني والإعلامي. فالوفاء ليس قيمة فردية فحسب، بل هو ركيزة من ركائز الأمن الاجتماعي. المجتمع الذي يقدّر المعروف هو مجتمع متماسك، قادر على مواجهة التحديات بروح متضامنة.
رد الجميل يعكس سمو النفس، بينما الجحود يُعرّيها. وبين الوفاء والجحود يُختبر معدن الإنسان الحقيقي. لذلك، فلنحرص على أن تكون إنسانيتنا أكبر من أوجاعنا، وأن نُقابل المعروف بالامتنان لا بالنكران. فهكذا تُبنى العلاقات الصادقة، وهكذا يُصان وجه الإنسان المشرق.