عناوين وأحداث هامة من دفتر الخارجية الروسية

المحلل السياسي/ رامي الشاعر
اخترت عددا من العناوين التي رأيتها هامة ومرتبطة ببعضها البعض برغم ما يبدو على السطح من اختلافها وتناثرها. – الخارجية الروسية تقول إن عددا من السياسيين الأوروبيين متورطون في فضيحة الفساد الأوكرانية. – الخارجية الروسية: قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة حول غزة يتعارض مع المقررات والمبادئ الأساسية بما فيها حل الدولتين. – البيان المشترك عقب الاجتماع الرابع والعشرين لمجلس رؤساء حكومات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. – الاستخبارات الخارجية الروسية: الحرب طالت والوعود تبخرت ومؤشرات على انهيار المشروع الغربي بأوكرانيا. تتكشف أبعاد الفضيحة الأوكرانية المدوية على مدار الساعة لا على مدار اليوم، ومع كل ظهور لتسجيل أو تسريب أو معلومات جديدة، يجد الرئيس المنتهية شرعيته فلاديمير زيلينسكي نفسه وسط ركام نظام نازي مهترئ متهاو، اعتمد على شرعية غربية وهمية تتمثل في “استنزاف روسيا” بـ “دم أوكرانيا”. هرب فئران السفينة إلى إسرائيل وتركيا وغيرها من المرافئ التي ربما تكون آمنة حتى اللحظة. أما زيلينسكي فيقف وسط جوقته النازية في مواجهة الشعب قبل مواجهة أوروبا، فالشعب الأوكراني الشقيق الذي ضحى بأبنائه من أجل أوهام أوروبا، ولمصلحة أوروبا، يسائل زيلينسكي الآن عن شروط التسوية التي سيقبل بها على طاولة المفاوضات. سيقف زيلينسكي أمام شعبه بعد أن فقد الأرض والدم، مقابل الظهور على أغلفة “التايم” و”وورلد ستريت جورنال”، وفي برامج حوارية وأمام برلمانات تقف تبجيلاً لمن ضحى بأبناء شعبه مقابل الملايين والمليارات التي نكتشف اليوم أنها ذهبت إلى حسابات سرية في مرافئ الفساد وغسيل الأموال. ما يشعر به الشعب الأوكراني الشقيق اليوم هو “الخيانة” قبل أي شيء آخر، فقد أصبح حلم “الانضمام” الوردي إلى الاتحاد الأوروبي بعيدا كل البعد عن التحقق، فيما أصبحت أوكرانيا دولة فاشلة عاجزة عن توفير مرتبات العاملين بالحكومة من دون إعانات وقروض غربية. واستحال انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، وقد حاولت روسيا مرارا وتكرارا التنبيه إلى ذلك دون أذن رشيدة صاغية. مع ذلك، لا زالت قيادات الاتحاد الأوروبي تتجاهل وتناور وتخادع سعيا منها لإطالة أمد الحرب قدر المستطاع، فكل روبل تنفقه روسيا على المعركة بدلا من تعزيز الاقتصاد الروسي هو قيمة مضافة في صراع الإرادات بين روسيا والغرب. والدم الأوكراني “الرخيص” الذي يبيعه زيلينسكي في سوق النخاسة، لا زال متوفرا، برغم مشكلات التعبئة التي تواجه القوات المسلحة الأوكرانية. اليوم، ومع الفضائح المدوية التي تنهال على رأس زيلينسكي، تتضح أبعاد المؤامرة الغربية ضد روسيا، ويتضح مدى العداء لروسية وفوبيا كراهية الروس المتفشية في الجسد الأوروبي، والتي قد تصل جذورها إلى زمن الحرب العالمية الثانية. لقد تضمن البيان المشترك لرؤساء حكومات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون إعلان المشاركين على ضرورة تكيف الأمم المتحدة مع الواقع السياسي والاقتصادي الحديث، بإصلاح المنظمة. وإصلاح المنظمة يعني تفعيل قوانينها واحترام ميثاقها، بما في ذلك حرية تقرير المصير، واحترام سيادة جميع الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتغيير الأنظمة بالقوة أو بالثورات الملونة تحقيقا لأجندات سياسية عابرة للحدود والقارات. إن تفعيل دور منظمة الأمم المتحدة لم يكن ليسمح للدول الأوروبية التورط بالمؤامرة ضد روسيا في أوكرانيا، ذلك أن انقلاب عام 2014، الموجه والمدعوم والمنسق من قبل الغرب، هو تدخل غربي سافر في شؤون دولة ذات سيادة، ما أسفر عن تأليب النظام الانقلابي وجزء من الشعب الأوكراني ضد الأقلية الروسية التي عاشت وظلت ولا تزال تعيش على أراضي دونباس والقرم قبل نشأة الدولة الأوكرانية نفسها. يحمي ميثاق الأمم المتحدة حقوق الأقلية الروسية من مواطني الشعب الأوكراني، كما يحمي أقليات أخرى أوكرانية: هنغارية، بولندية، سلوفاكية. ويحمي ميثاق الأمم المتحدة حقوق جميع شعوب العالم في ممارسة حقوقهم في استخدام لغتهم واحترام دياناتهم وممارسة عاداتهم وتقاليدهم. لقد كتبت عشرت المقالات على مدار السنوات الماضية، التي شهدت تحولا جذريا في الصراع الأوكراني، بدءا من اتفاقيات مينسك، وحتى اندلاع العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، واليوم تؤكد الاستخبارات الخارجية الروسية كل ما تنبأت به منذ سنوات، بانهيار المشروع الغربي، الذي بني على أوهام بشأن “اضطرابات داخلية” روسية، و”انهيار اقتصادي” روسي. اليوم نشهد انهيارا لصنيعة الغرب في شرق أوروبا، بعد ثلاثة عقود من الاستثمار في الخراب والدمار وزرع بذرة الكراهية بين الإخوة السلافيين، بين روسيا وأوكرانيا. ما يحدث اليوم هو عكس ما تمناه الغرب، حيث نشهد صعود المافيا الدولية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالقيادة الأوكرانية، وتورط مسؤولين أوروبيين على مستوى رفيع في سرقة الأموال التي سعوا بأنفسهم لتوفيرها “للشعب” الأوكراني، لتنتهي في نهاية المطاف إلى جيوبهم. إن الهزيمة الأوكرانية الوشيكة ليست هزيمة الشعب بقدر ما هي هزيمة القيادة النازية، والنظام الانقلابي، وهزيمة المشروع الغربي الموجه ضد روسيا، ولا سبيل الآن لتفادي هذه الهزيمة. وبرغم كل المحاولات من جانب المتورطين في إطالة أمد المجابهة مع روسيا كخيار وحيد لتفادي الفضيحة، إلا أن الفضيحة ستعجل بالهزيمة، والهزيمة ستسفر عن مزيد من الفضائح، وهو ما ننتظر من الشعب الأوكراني الشقيق الرد عليه لقد امتنعت روسيا والصين عن التصويت على مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن بشأن غزة، فيما حذر مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا من أن القرار الأمريكي لا يتضمن تأكيدا على المبادئ الأساسية بما فيها حل الدولتين، حيث يفتقر القرار إلى أي إشارة إلى دور القوة الدولية في نزع سلاح “حماس”، وعدم تضمين أية “أطر زمنية” لبسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على غزة، وعدم الوضوح بشأن ما يسمى بـ “مجلس السلام” أو “القوة الدولية” لتحقيق الاستقرار في غزة. وأشار نيبينزيا إلى أن مشروع القرار الأمريكي قد “يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية”، وأكد على أهمية ألا يصبح القرار حول غزة مجرد “غطاء لتجارب الولايات المتحدة وإسرائيل” ونهاية لحل الدولتين. إننا نذكر جميعا كيف أدت القرارات الأمريكية المنفردة، والتحالفات خارج إطار الأمم المتحدة إلى كوارث لا زال الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم تعاني منها، واليوم تتابع الولايات المتحدة وإسرائيل النهج نفسه في انفرادها بتسوية قضية “غزة”، وتصك المفاهيم، وترسم الآليات، وفقا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، مع وضع هامش ضئيل يكاد يكون غير مرئي لمصالح الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. إن الأمل الوحيد في قضية التسوية الفلسطينية هو استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية، ورأب الصدع في الداخل الفلسطيني باستعادة الوحدة الفلسطينية، وتفعيل دور الأمم المتحدة والرباعية الدولية لحل القضية الفلسطينية من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. إن عالم اليوم يتغير بسرعة شديدة، ولا بد أن تتغير معه المنظمة الدولية التي نشأت منذ ثمانين عاما على أساس توازنات دولية أخرى في ظروف أخرى. اليوم، تتصدر التوازنات الدولية مجموعتا “بريكس” و”شنغهاي للتعاون” التي تضم أغلبية عالمية لم تعد تجد لها تمثيلا في منظمة الأمم المتحدة، وهو ما يجب على جميع الدول في المنظمة استيعابه، والتحرك بسرعة من أجل أن تلبي منظمة الأمم المتحدة تطلعات الشعوب والدول حول العالم، بلا إملاءات أو ضغوط أو عقوبات فردية وحصار من دول مهيمنة لا زالت تتوهم أن عالم الأحادية القطبية سيستمر للأبد. لقد بدأت بالفعل مسيرة الانتقال الحتمي لعالم التعددية القطبية، وكل عناوين الأنباء التي ذكرتها في مطلع المقال تؤكد على تلك الحقيقة، والعامل المشترك بين كل تلك الأخبار فيما يبدو لي وأعتقد هو “الأمم المتحدة”، أو بمعنى أدق “تطوير منظمة الأمم المتحدة.



