فجوة معرفية بـ”دول عربية” رغم القدرات البشرية والرصيد العلمي

كشفت مؤشرات المعرفة لعام 2025 أن الدول العربية لا تزال تواجه فجوة معرفية واسعة، رغم امتلاكها لقدرات بشرية شابة وإمكانات علمية واعدة كان من المفترض أن تضعها في موقع تنافسي أقوى.
وحذر الخبراء في قمة المعرفة من أن التأخير في بناء بنية تحتية معرفية متينة، وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير، وتبني سياسات لتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية، قد يضع المنطقة خارج السباق نحو المستقبل، فالعصر الرقمي لا ينتظر المترددين، والبلدان التي لا تسرع تحولها المعرفي ستجد نفسها في مؤخرة المشهد العالمي.
وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إنه مع دخول العالم عصر الذكاء الاصطناعي والاقتصادات الرقمية، يبدو أن هناك حاجة ملحة لأن تتبنى الدول العربية نماذج تنموية جديدة تعتمد على الابتكار وتنمية المهارات وتوسيع أسواق المعرفة، لضمان قدرة اقتصاداتها على المنافسة واللحاق بالدول المتقدمة.
قدرات واعدة
وتفصيلاً: أكد المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، جمال بن حويرب، أن الوطن العربي يمتلك قدرات واعدة تتيح له الدخول بقوة في منظومة الاقتصاد المعرفي، لكن الفجوة لا تزال كبيرة بين الدول التي تبنت استراتيجيات واضحة للمستقبل وتلك التي لا تزال متخلفة في هذا المسار.
وقال بن حويرب لـ«الإمارات اليوم»: «بناء على قراءاتي ولقاءاتي المتعمقة مع الأمم المتحدة والخبراء، أرى أن بعض الدول العربية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، أرست أسساً متينة لاقتصاد معرفي متكامل، بخطط طويلة المدى تمتد لمائة عام مقبلة، حيث تتحرك الإمارات وفق رؤية دقيقة ومدروسة، وبالتالي تتصدر العديد من المؤشرات العالمية».
وأضاف: «في المقابل هناك دول لم تأخذ زمام المبادرة بعد، ولم تعطي الاقتصاد المعرفي واستشراف المستقبل القدر المطلوب من الاهتمام، أما في الإمارات فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوجه الحكومة باستشراف المستقبل، وليس انتظاره، واغتنام كل فرصة تحملها السنوات المقبلة».
وأشار إلى أن عددا من الدول العربية بدأت مؤخرا في إدراج المعرفة في استراتيجياتها الوطنية، وهو تطور مهم ولكنه غير كاف، مؤكدا: “ما زال الطريق طويلا”. ونأمل أن تحذو الدول العربية حذو دولة الإمارات، وتستفيد من خبراتها في البنية التحتية وأنظمة الإدارة والجودة وسلاسل التصدير والاستيراد والإنتاج وبناء بيئات اقتصادية ومعرفية متكاملة، حيث تمتلك الإمارات نماذج ناجحة يمكن تكرارها في أي دولة عربية.
منصة عربية شاملة
وتابع: “قمة المعرفة اليوم هي منصة عربية شاملة لكل من يسعى إلى رفع مستوى شعوبه وتحسين رفاهيته. فبدون اقتصاد المعرفة سيبقى الناس في مستويات منخفضة، ولكن مع أهل المعرفة يتقدم المجتمع والدولة، وهذا ما تؤكده المؤشرات العالمية بشكل واضح”.
وقال: «ستواصل الإمارات خلال السنوات الخمس المقبلة تقدمها، وربما تتفوق على كثير من دول العالم كما تفعل اليوم، أما الدول التي لا تتغير من نفسها ولا تتبنى النهج المعرفي في كافة قطاعاتها، فإنها ستبقى في مكانها بينما تتقدم دول أخرى، والمستقبل واضح.. والمعرفة أقوى سلاح لها».
معركة حقيقية
وفي السياق نفسه، أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية – برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدكتور عبد الله الدردري، أن “العرب أمام معركة حقيقية تتعلق بالإنتاجية، وأن المعرفة تمثل البوابة الرئيسية لرفع هذه الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية لاقتصادات المنطقة”.
وأضاف أن الاستثمار في المعرفة لا يزال محدودا للغاية، إذ لا يتجاوز الإنفاق على البحث والتطوير 0.02% من الناتج المحلي العربي، مقارنة بـ 2% إلى 3% في الدول المتقدمة، وهو ما يوضح، حسب قوله، “كم هو الطريق طويل نحو اقتصاد عربي مبني على المعرفة والإبداع”.
وأشار الدردري إلى أن الدورة العاشرة لقمة المعرفة تمثل محطة مهمة لإعادة تقييم مكانة المنطقة العربية في سباق الذكاء الاصطناعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، موضحاً: «على الرغم من التقدم الملحوظ في دول مثل الإمارات والسعودية وقطر، إلا أننا لا نزال بعيدين عن دخول قائمة العشرة الأوائل عالمياً».
بناء أسواق المعرفة
وأكد أن “الإمارات اليوم تتبنى نهجاً واضحاً في بناء أسواق المعرفة، ليس على مستوى الإنتاج فحسب، بل أيضاً في تسويق المعرفة وتعزيز الطلب عليها. وهذا هو المسار الذي تحتاجه المنطقة العربية للتغلب على الفجوة الإنتاجية وبناء اقتصاد أكثر تنافسية وابتكاراً”.
وقال الدردري إن القمة “ترسم رؤية واضحة للسنوات المقبلة، وتمنح الدول العربية فرصة للتحرك بثبات أكبر نحو اقتصاد المعرفة الحقيقي”، مؤكدا أن التغيير يبدأ بالاستثمار الجاد في المعرفة باعتبارها حجر الزاوية في التنمية المستقبلية في العالم العربي.
تحديثات الفهرس
وعن تطورات المؤشر، أوضح كبير المستشارين الفنيين ومدير مشروع المعرفة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدكتور هاني تركي لـ«الإمارات اليوم» أن نطاق مؤشر المعرفة شهد توسعاً كبيراً هذا العام ليشمل 195 دولة مقابل 141 دولة في النسخة السابقة، أي بنسبة زيادة 38.3%، ما يجعله الأكثر شمولاً منذ إطلاقه.
وأضاف أن عملية التطوير شملت إعادة هيكلة القطاعات الرئيسية للمؤشر من سبعة إلى ستة قطاعات، بهدف تعزيز التركيز على المجالات الحيوية المرتبطة بالتنمية المستدامة، بالإضافة إلى التطوير التكاملي في نظام البيئات التمكينية، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لقياس الجاهزية المعرفية.
وأشار تركي إلى أن التحديثات أثرت أيضاً على منهجية القياس، حيث تم تخفيض عدد المتغيرات من 155 إلى 115 متغيراً، لضمان مزيج أكثر توازناً بين الشمولية والدقة التحليلية وسهولة المقارنة بين الدول، مما يعزز مكانة المؤشر كمصدر عالمي لرصد واقع المعرفة ودعم صناع القرار في تبني السياسات القائمة على الابتكار والتنمية البشرية المستدامة.
وأكد أن المراجعة الدورية للمؤشر أصبحت ضرورة حتمية للحفاظ على دقته وواقعية مخرجاته، موضحاً أن المراجعات الأولى تمت في عام 2021، قبل أن تتبعها مراجعات لاحقة كشفت عن استمرار وجود فجوات في البيانات وفشل عدد من المتغيرات الأساسية التي يعتمد عليها.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر




