أخبار الخليجمقالات

هاوپا… التنظيم الصغير الذي يثير القلق الكبير

كتبت ريم حسن خليل:

ظهر تنظيم هاوپا في إقليم كردستان العراق في العام 2020، كحزب كردي نازي متطرِف يُعرف أيضاً بإسم المنظمة القومية الإشتراكية الكردية PSNK، وعلى الرغم من حداثة تأسيسه، أثار التنظيم إهتمام الباحثين وأهل الإختصاص بسبب شعاره وأيديولوجيته التي تستند إلى مزيج من القومية الكردية المُتشددة والنازية الجديدة، والتنظيم يسعى إلى نشر أفكاره بين الشباب الكردي الذين يشعرون بقوة بالهوية القومية. وينشط التنظيم بشكل رئيسي منطلقاً من مقره الأساسي في مدينة أربيل. يتبنى تنظيم هاوپا أيديولوجية يمينية متطرفة تمزج بين القومية الكردية المتشددة وأفكار النازية الجديدة. تأسس التنظيم في اليوم الأول من نوروز 2020، وهو يوم له دلالة رمزية قوية في الثقافة الكردية. وإحدى أبرز رموزه هو شعاره الذي يتضمن عناصر رمزية مشتقة من الصليب المعقّف الموجود في علمه، مدعياً أن هذا الرمز جزء من التراث الكردي القديم، رغم إرتباطه تاريخياً بالنازية الأوروبية. يستخدم التنظيم هذا المزج بين القومية المتطرفة وأفكار النازية الجديدة لإضفاء شرعية على خطابه الأيديولوجي، كما يستلهم تأثيرات فكرية من حركات قومية كردية سابقة متأثرة ببعض عناصر الفكر الفاشي الأوروبي.

تُعرف الأيديولوجية التي يتبناها التنظيم داخل بعض التحليلات باسم”Hawpaism”، وهي رؤى تسعى إلى تأسيس دولة كردية فعلية على أسس قومية متطرفة، وتعارض التنظيمات السياسية التقليدية في الإقليم. يُروج تنظيم هاوپا لأفكار عنصرية وعنيفة تجاه الأقليات في إقليم كردستان. ويشمل ذلك خطاباً علنياً يُطالب بطرد العرب من الإقليم، الدعوة إلى الإبادة أو الإقصاء الجماعي للتركمان والآشوريين/السريان وجماعات أخرى. نشر رسائل تُحمِّل الأقليات إتهامات بالتآمر والعداء ضد الكرد. هذه الخطابات تستغل التوترات العرقية والإجتماعية في المنطقة لكسب مناصرين، خصوصاً بين الشباب الذين يشعرون بإحباط سياسي أو إقتصادي، ما يجعلهم عرضة لتبني خطاب متطرف.

يركز هاوپا بشكل كبير على المنصات الرقمية مثل تلغرام وإنستغرام ويوتيوب، لنشر برامجه الدعائية وأفكاره، ويقوم بنشر منشورات ومقاطع فيديو تحمل شعارات فجَة وعبارات إثارية لجذب الإنتباه وإشعال المشاعر القومية. تُظهر بعض المواد الدعائية الموزعة والمنشورة في المدن الكردية مثل أربيل ودهوك والسليمانية رسائل تدعو إلى طرد غير الكرد من المناطق، وتستغل أحياناً الرموز المثيرة للجدل لتُشدد هوية التنظيم وتُبرزها. وقد تم توثيق ممارسات تحريضية في مجموعات مرتبطة بالتنظيم على تطبيق تليغرام تضمنت دعوات لتدمير كنائس الآشوريين والسريان في شمال العراق، معتبرة هذه المؤسسات أماكن “معادية للكرد”، ما أثار قلقاً واسعاً بين الأقليات المسيحية.

تعرض تنظيم هاوپا لإنتقادات واسعة من منظمات آشورية وأقليات أخرى في الإقليم وخارجه بسبب خطاب الكراهية والتحريض الذي يروجه. فقد أصدرت إتحادات آشورية في أوروبا بيانات تستنكر قرار حكومة إقليم كردستان الإعتراف بالتنظيم كحركة سياسية قانونية، ووصفت ذلك بأنه “خيانة أخلاقية لتراث العراق المتعدد” لما يمثله من إضفاء شرعية للأيديولوجيات المتطرفة. وقد أشارت هذه المنظمات إلى إن شعار التنظيم ورموزه الفجَة لها إرتباطات تاريخية برموز النازية الأوروبية ومذابح الحرب العالمية الثانية، ما يزيد من القلق من إنتشار مثل هذه الأفكار في السياق المحلي والإقليمي.

يُنظر بشكل عام إلى تنظيم هاوپا بأنه حركة هامشية على الساحة السياسية في كردستان العراق! لكنها تثير القلق والقلق الخطير خاصة عند الأقليات في كردستان والتي تشهد لغة تحريض وتهديد ضد وجودها في المنطقة. على الرغم من صغر عضوية التنظيم مقارنة بالأحزاب السياسية الرئيسية في الإقليم، فإن ظهوره أثار نقاشاً واسعاً حول مدى إنتشار الفكر المتطرف وعلاقته بالحياة السياسية في كردستان. وقد أشار بعض المراقبين إلى أن إعتراف السلطات بالتنظيم ووصوله إلى بعض الدوائر الرسمية وإستقبال ممثلين عنه من قبل مسؤولين محليين في أربيل، خلق جدلاً حول حدود التسامح مع الأيديولوجيات المتطرفة داخل الأطر السياسية الرسمية. كما أن وجود هذا التنظيم يسلط الضوء على تحديات الفضاء العام في المنطقة في مواجهة التوترات العرقية والدينية، وضرورة تعزيز سياسات أكثر شمولاً للحفاظ على التنوع والحقوق المدنية لجميع المكونات.

يمثل تنظيم هاوپا نموذجاً معاصراً للحركات القومية المتطرفة التي تستلهم أفكاراً مماثلة للنازية الجديدة داخل سياقات محلية معقدة. يُظهر التنظيم كيف يمكن أن يتحول شعور الهوية القومية إلى خطاب عنيف متطرف عند غياب الخطاب السياسي المعتدل والسياسات الحامية للأقليات. رغم عودة التنظيم إلى هامش التيار السياسي في كردستان العراق، إلا إن تأثيره في زيادة التوترات الإجتماعية والتحدي الذي يمثله أمام التعددية في المجتمع يجعله قضية تستحق دراسة معمقة لفهم ديناميكياته السياسية والإجتماعية. وفي سياق البحث والتقصي، ومن خلال مراجعة معطيات غير متداولة ومقارنة شهادات ومعلومات من مصادر مختلفة ومنها كردية مطّلعة، تبين أن تنظيم “هاوپا” لا يمكن النظر إليه كظاهرة معزولة أو طارئة، بل إنه إمتدادٌ لتنظيم كردي متطرف سابق عُرف باسم “كاچيك”، والذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، والصُدفة أن مؤسسه كان يقيم في ألمانيا الغربية، وتبنّى حينها خطاباً عنصرياً وإنفصالياً صريحاً. وعلى الرغم من إندثار “كاچيك” في منتصف سبعينيات القرن العشرين، إلا إن المؤشرات المتوفرة تفيد بأن هذا التيار أعاد تنظيم نفسه بصيغة جديدة عبر تنظيم “هاوپا”، في ظل وجود دعم وتوظيف سياسي لاحق من قبل جهات نافذة في الإقليم، مُرتبطة مباشرة بالبارزانيين، لتقديم أنفسهم للحكومة المركزية والعالم بوصفهم الجهة القادرة على إحتواء هذه النزعات الشوفينية والإنفصالية المتطرفة. وفي هذا الإطار، تُربط الحادثة التي وقعت في دهوك في نيسان الماضي، والتي أسفرت عن إصابة عدد من الآشوريين، بأحد عناصر هذا التنظيم، في ظل غياب موقف حازم من قبل حكومة أربيل بالمستوى المطلوب، ما فتح الباب أمام تساؤلات جدية حول طبيعة التعامل الرسمي مع هكذا تيارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى