منوعات

العمل الإنساني في زمن الأزمات.. دروس من سوريا

 

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، نتوقف لنتأمل الدور المحوري الذي يلعبه العاملون في المجال الإنساني في إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في مختلف أنحاء العالم. ومع تحول الأزمات الإنسانية والصراعات المسلحة إلى جزء من واقعنا اليومي، لا يمكن التقليل من أهمية العمل الإنساني.

يذهب هؤلاء الأفراد الشجعان إلى الخطوط الأمامية، ويعبرون المناطق الأكثر خطورة، ويواجهون الظروف الصعبة لتقديم المساعدة لمن هم في أمس الحاجة إليها.

ومع ذلك فإنهم يواجهون تهديدات متزايدة لحياتهم، وخاصة في أماكن مثل سوريا، حيث أصبحت القوانين الدولية التي كان من المفترض أن تحميهم مهملة بشكل مثير للقلق.

إن العمل الإنساني لا يقتصر على تقديم المساعدات فحسب؛ بل إنه تعبير عن إنسانيتنا المشتركة، والتزامنا الأخلاقي بمساعدة الناس الذين يواجهون أسوأ لحظات حياتهم. وفي أوقات الصراع، يصبح العمل الإنساني أكثر إلحاحاً، حيث يساعد في الحفاظ على الحياة والكرامة في ظل الظروف القاسية.

في سوريا، حيث دخل الصراع عامه الثالث عشر، أصبحت الحاجة إلى المساعدات الإنسانية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ويعتمد ملايين السوريين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، سواء داخل البلاد أو في مخيمات اللاجئين خارجها.

ويواجه العاملون في المجال الإنساني في سوريا، الذين يشكلون العمود الفقري لهذه الجهود، تحديات غير مسبوقة. فالقصف والحصار والنزوح القسري ليست سوى بعض المخاطر التي يواجهونها على أساس يومي.

وفي كثير من الأحيان، يصبح هؤلاء العمال هدفاً للهجمات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يزيد من تعقيد مهمتهم الإنسانية. واستهدافهم لا يعرض حياتهم للخطر فحسب، بل يهدد أيضاً بقطع شريان الحياة الذي يعتمد عليه ملايين البشر.

ويشكل القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، الإطار القانوني الأساسي لحماية هؤلاء العمال.

منذ بداية الثورة في سوريا، يتعرض العاملون في المجال الإنساني لانتهاكات متكررة، وخاصة من قبل قوات النظام السوري، حيث وثقت منظمات حقوق الإنسان العديد من الهجمات على قوافل الإغاثة والمستشفيات والمراكز الصحية، والتي كانت تعتبر في السابق خطوطاً حمراء يجب على جميع الأطراف تجنبها.

وفي الواقع، تشير تقارير متعددة إلى أن النظام السوري استخدم هذه الهجمات كجزء من استراتيجيته العسكرية، لاستهداف مناطق المعارضة ومنع المساعدات من الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

إن هذه الانتهاكات ليست مجرد “أضرار جانبية”؛ بل هي انتهاكات متعمدة تهدف إلى كسر إرادة الشعب السوري ومعاقبته جماعياً.

إن استهداف العاملين في المجال الإنساني يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي ويجب التعامل معه باعتباره جريمة حرب. ولكن على الرغم من الأدلة الواضحة، فإن مرتكبي هذه الجرائم ما زالوا بعيدين عن الأنظار، مما يغذي الإفلات من العقاب ويشجع على تكرار مثل هذه الانتهاكات.

ولضمان حماية العاملين في المجال الإنساني، وضع المجتمع الدولي قواعد صارمة تحدد حقوقهم وتفرض التزامات على الأطراف المتحاربة.

ويشكل القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، الإطار القانوني الأساسي لحماية هؤلاء العاملين. وتنص اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وتعتبر أي استهداف متعمد لهم جريمة حرب.

ويعزز البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 هذه الحماية من خلال اشتراط احترام العاملين في المجال الإنساني ومنحهم إمكانية الوصول الآمن إلى المناطق المتضررة. كما يؤكد أن الهجمات ضدهم تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتخضع للملاحقة الجنائية.

وبالإضافة إلى ذلك، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدة قرارات تدين الهجمات على العاملين في المجال الإنساني، وتؤكد على ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي.

ويدعو القرار 2286، الذي تم اعتماده في عام 2016، جميع أطراف النزاع إلى الامتناع عن استهداف المرافق الطبية والعاملين في المجال الإنساني، ويطالب بمحاسبة مرتكبي مثل هذه الجرائم. ومع ذلك، لا تزال هذه القرارات بحاجة إلى التنفيذ الصارم على أرض الواقع، حيث أن مجرد اعتمادها لا يكفي لضمان حماية العاملين في المجال الإنساني.

ويجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات حاسمة لضمان الإفراج عن هؤلاء الأفراد الذين يعملون في أكثر الأماكن خطورة وفي ظل أصعب الظروف.

وفي ضوء التحديات الحالية، هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير فعّالة لضمان حماية العاملين في المجال الإنساني، سواء في سوريا أو في مناطق الصراع الأخرى. ويتعين على المجتمع الدولي أن يعزز آليات المساءلة لمقاضاة المسؤولين عن الهجمات ضد هؤلاء العاملين، مع وجود إرادة سياسية واضحة لمتابعة القضايا أمام المحاكم الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.

ويجب على المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة أيضًا تحسين إجراءات الأمن للعاملين، من خلال توفير التدريب المناسب واستخدام التكنولوجيا لتعزيز سلامة قوافل الإغاثة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية.

ومن ناحية أخرى، يتعين على الدول المانحة زيادة التمويل المخصص للعمليات الإنسانية لضمان استمرارية تقديم المساعدات في المناطق المتضررة، مع تعزيز التنسيق بين المنظمات والحكومات لضمان إيصال المساعدات.

ويجب كذلك تكثيف الجهود لنشر الوعي بقواعد القانون الدولي الإنساني بين الأطراف المتنازعة من خلال البرامج التعليمية والتدريبية التي تستهدف العسكريين والمجتمع المدني.

وأخيرا، لا بد من دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى حماية العاملين في المجال الإنساني وتعزيز دورهم في المجتمعات المتضررة، وبالتالي المساهمة في بناء الثقة بينهم وبين تلك المجتمعات وتعزيز الحماية الميدانية.

إن العاملين في المجال الإنساني هم أبطال هذه الحقبة المضطربة، وهم يتحملون مسؤولية كبيرة في تقديم الإغاثة والإنقاذ لملايين الأشخاص.

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، يجب علينا أن نتذكر ليس فقط أهمية ما يفعلونه، بل وأيضاً الحاجة الملحة لحمايتهم من المخاطر التي يواجهونها. يوفر القانون الإنساني الدولي إطاراً واضحاً لحمايتهم، لكن تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع يظل يشكل تحدياً كبيراً.

وفي نهاية المطاف، يتعين على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات حاسمة لضمان أن يتمكن هؤلاء الأفراد، الذين يعملون في أكثر الأماكن خطورة وفي أصعب الظروف، من القيام بعملهم دون خوف من استهدافهم أو تعرضهم للعنف. إن حماية العاملين في المجال الإنساني ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي اختبار لإنسانيتنا المشتركة وقدرتنا على التمسك بالقيم الإنسانية الأساسية في أصعب الظروف.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى