الشامية تلقي قنبلة في حضن الائتلاف.. هل ستنفجر؟

بدعوة من وزارة الخارجية التركية، انعقد اجتماع موسع في إحدى قاعات مطار غازي عنتاب، ضم كل القوى السياسية والعسكرية، ممثلة بالائتلاف وحكومته المؤقتة وهيئة التفاوض التي يرأسها بطبيعة الحال أحد أعضاء الائتلاف بشكل دائم، وحضره كل الفصائل العسكرية المنضوية رسمياً تحت مظلة الجيش الوطني التابع للحكومة، والذي من المفترض أن يكون تابعاً للائتلاف.
وحضر اللقاء من الجانب التركي إضافة إلى ممثل وزارة الخارجية التركية ممثل عن جهاز المخابرات، الذي بدأ حديثه بتذكير المعارضة بالتغييرات الكبرى التي حصلت حين قال لهم إن هذه القاعة شهدت في السابق العديد من الاجتماعات لدعم المعارضة شاركت فيها عدة دول، واليوم لم يتبق لكم من هذه الدول سوى تركيا وقطر.
وكانت رئاسة الائتلاف الحالية، ومنذ توليها المهمة قبل عام، طلبت من الجانب التركي تسهيل عقد مثل هذا اللقاء لتقريب وجهات النظر بين مكونات المعارضة، وخاصة بين المكون السياسي والعسكري، إلا أن هذا اللقاء تم تأجيله لاعتبارات تتعلق بالجانب التركي.
في تفاصيل ما جرى داخل تلك القاعة، هناك الكثير من الأحداث والصراعات بين الحاضرين، تكشف جوانب متعددة من التحالفات والتوازنات في شمال سوريا، حيث يتشابك العسكري والسياسي بشكل معقد، لدرجة يصعب معها تحديد من يتحالف مع من. ولعل هذا الوضع هو نتيجة لسياسة إدارة المنطقة في السنوات الأخيرة، وليس نتيجة صراعات بين السوريين، وبالتأكيد ليس مصادفة.
ويواجه الائتلاف اليوم اختباراً حقيقياً ربما لم يشهده منذ أزمة التوسع الشهيرة قبل عشر سنوات.
ومن أبرز هذه الصراعات التي برزت بعد هذا الاجتماع اصطفاف واضح من قبل القوة المشتركة مع الحكومة المؤقتة ضد الائتلاف وبقية فصائل الجيش الوطني، وقد تجلى ذلك في التدخلات النارية بين الطرفين، والتي وصلت حد وصف رئيس الحكومة المؤقتة لفصيل في الجيش الوطني يفترض أنه تابع له بـ”الفصيل الإرهابي”، بحسب ما ذكرته الجبهة الشامية في بيانها الناري، الذي طالبت فيه بإقالة الحكومة المؤقتة، ودعت الائتلاف إلى عقد اجتماع طارئ لسحب الثقة من الحكومة، كما أعلنت تعليق أي تعاون مع الحكومة الحالية حتى إقالتها.
إن هذا التصريح أشبه بقنبلة ألقيت في حضن الائتلاف، في وقت تنهي فيه الرئاسة عامها الأول وتستعد لبدء العام الثاني من ولايتها الممتدة لعامين، وفي وقت تقترب فيه عملية التطبيع بين تركيا ونظام الأسد من محطة جديدة في مسيرتها الطويلة، وفي وقت ينفجر فيه الشمال بالمظاهرات والصراعات، وأبرزها معبر أبو الزندين، إلا أن هذه المظاهرات تخفي في طياتها صراعات النفوذ والسلطة بين المستفيدين من فتح المعبر مع النظام، والمتضررين من إغلاق أبواب التهريب التي لم تتوقف في وجوههم.
وهذا يعني أن التحالف اليوم يواجه اختباراً حقيقياً ربما لم يشهده منذ أزمة التوسع الشهيرة قبل عشر سنوات.
إن كل أزمة كبرى يمكن أن تتحول إلى فرصة، بشرط أن نستغل هوامشنا على أفضل وجه. وهنا أقترح أن يستغل الائتلاف ما حدث لوضع خارطة طريق تعيد القوة لمؤسسته، وتقربها من الناس في الداخل، وتنطلق من بيتها الداخلي. إن أعضاء الائتلاف الحاليين هم ممثلون لتكتلات وحركات كانت موجودة منذ أكثر من عشر سنوات، وهذا خلل كبير في بنية الائتلاف لأنه لم يواكب التغيرات ولم يتمكن من استيعاب القوى السياسية التي تشكلت خلال هذه السنوات.
وهنا أود أن أذكر قيادة الائتلاف بمشروع قديم طرح منذ سنوات وهو أن يكون لكل حركة وحزب ممثل في الائتلاف حد أدنى من الأعضاء المنتمين إليه حتى يمكن تمثيله لاحقا في الائتلاف، ومن غير المعقول بعد كل هذه السنوات أن يكون في الائتلاف عضو من حركة أو حزب وعدد أعضاء هذا الحزب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة! وأي حركة أو حزب لا تتوفر فيه هذه الشروط سيتم طرد أعضائه من الائتلاف واستبدالهم بأعضاء جدد، وهنا لدينا تمثيل سياسي لكل القوى الفاعلة والحقيقية.
ولكي تنفجر هذه القنبلة بشكل إيجابي ولا تساهم في تعزيز الانقسامات، لا بد من اتخاذ قرارات شجاعة، أو أن تعلن قيادة الائتلاف عجزها وتقدم استقالتها.
قد يبدو هذا الاقتراح رومانسيا وغير عملي للبعض، وهذا صحيح إلى حد ما نظرا لموقف المعارضة الهش والمتشظي، ولكن من ناحية أخرى فإن القرارات السياسية الكبرى تتطلب الشجاعة وحسن الإدارة في الأحداث الحاسمة. وما حدث بعد اجتماع الأمس يشكل فرصة ذهبية لقيادة الائتلاف لتولي تنفيذ خارطة طريق تصحح ما يمكن تصحيحه.
ومن الملاحظات اللافتة للنظر في نتائج اجتماع المطار أن المشاركين لم يتطرقوا إلى جوهر المشكلة التي تسبب كل المشاكل في الشمال وهي إدارة الجانب التركي للمنطقة، لأن الجميع يعلم أنه في ظل الظروف الحالية لا يمكن للائتلاف ولا حكومته المؤقتة أن يفعلوا شيئاً مفيداً طالما بقيت المنطقة مقسمة إدارياً على هذا النحو الذي يعيق التنمية والاستقرار، وحتى لو تم اختيار حكومة جديدة فإن الصلاحيات الممنوحة للمحافظين والمنسقين الأتراك تمنع أي طرف سوري من القيام بمهامه.
لذلك فإن الائتلاف بعد أن بدأ بتنفيذ إصلاحاته الداخلية وترميمها مطالب بأن يطلب من الجانب التركي أن تخضع المنطقة لسلطة إدارية واحدة، وأن يكون التواصل والتنسيق مع الجانب التركي من قبل جهة واحدة أيضاً، وأن تكون للحكومة المؤقتة الكلمة الأخيرة، فبقاء المنطقة اليوم تحت سلطة المجالس المحلية التي تتصرف وكأنها دولة معزولة عن محيطها يعيق أي تطور ويمنع خلق بيئة آمنة لعودة السوريين إليها بعد أن يبدأ الاقتصاد بالدوران.
وبالعودة إلى بيان الجبهة الشامية الذي يحمل في طياته أسباب رفض الائتلاف له لأنه صدر عن فصيل وليس عن جهة رسمية ممثلة بالحكومة، فلو كان مصدرو بيان الجبهة الشامية أكثر إلماماً بتفاصيل العمل السياسي وأكثر اهتماماً بمؤسسات المعارضة لأصدروا البيان باسم مجموعة من الفصائل وليس باسم فصيلهم وحده، أو على الأقل لأصدروه باسم الفيلق الثالث الذي ينتمون إليه والذي يشكل قوته الأساسية. وبشكل عام فإن صدور البيان بهذه الطريقة يعطينا فكرة عن مدى الارتباك والحيرة التي تعيشها أغلب القوى السياسية والعسكرية.
ولكي يكون انفجار هذه القنبلة إيجابياً ولا يساهم في تعزيز الانقسامات، فلابد من اتخاذ قرارات شجاعة، أو أن تعلن قيادة الائتلاف عجزها وتقدم استقالتها. وعادة ما يتذكر الناس الساسة ليس بسبب الدموع التي يذرفونها حزناً على ظروفهم السيئة، بل بسبب أفعالهم.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر