تقارير

كيف ستؤثر السياسات الأمريكية على مستقبل آسيا الوسطى؟

القاهرة: هاني كمال الدين  

منذ تولي الرئيس الأمريكي السابع والأربعين، جو بايدن، منصبه، باتت السياسة الخارجية للولايات المتحدة محورًا لاهتمام واسع في الأوساط الدولية، بما في ذلك آسيا الوسطى. حيث أن قراراته، مثل تعليق أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) و”راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية”، التي كانت تتمتع بموقع قوي في المنطقة، أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاجتماعية. بينما يُرتبط الكثير من هذه القرارات بشخص الرئيس نفسه، لا يمكن إغفال أن هناك تحولات استراتيجية أوسع تؤثر في هذه السياسة. فما الذي يحدث في واشنطن وكيف تؤثر هذه التغيرات على آسيا الوسطى؟

عصر “45/16”

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خرجت الولايات المتحدة قوية اقتصاديًا وعسكريًا، حيث كانت تمتلك أكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي خرجت قوية من الحرب. فقد خرج الاتحاد السوفيتي أيضًا كقوة عظمى، وسيطر على نصف أوروبا تقريبًا. وتميزت هذه المرحلة بالصراع بين هاتين القوتين العظميين في فترة “الحرب الباردة”، حيث كان كل طرف يسعى للهيمنة على العالم من خلال حلفاء وأدوات مختلفة.

وقد أخذت الولايات المتحدة على عاتقها مسؤولية إعادة إعمار أوروبا الغربية وحمايتها، وهو ما تحقق عبر خطة مارشال، بالإضافة إلى تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي أصبح سائدًا في ضمان الأمن الأوروبي طوال عدة عقود. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة القوة الرئيسية في هذه المنطقة، بينما كان الاتحاد السوفيتي يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن الإقليمي.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينات، بدأ التحول في موازين القوى في أوروبا، حيث أصبح الحضور الأمريكي أكثر قوة، وبدأت الدول الأوروبية تتوسع تحت مظلة الاتحاد الأوروبي والناتو. لكن مع بداية القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في 2017، دخلت السياسة الخارجية الأمريكية مرحلة جديدة، حيث بدأ التركيز يتحول إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع تصاعد التنافس مع الصين.

السياسات الأمريكية الجديدة

منذ بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، تحديدًا بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ التحول الكبير في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي لم تكن مرتبطة فقط بشخص الرئيس، بل كان لها جذور في مجموعة من العوامل النظامية. كان أول هذه العوامل هو التوتر الاقتصادي الناتج عن السياسات العالمية التي تبنتها الولايات المتحدة لعقود، وهو ما أدى إلى إضعاف قدرتها على الاستمرار في نفس النهج.

أما العامل الثاني، فهو التغير الكبير الذي شهدته منطقة آسيا، حيث بدأت الاقتصادات الآسيوية، وخاصة الصين، في فرض نفسها كمحركات أساسية للاقتصاد العالمي. ومع تصاعد النشاط الاقتصادي والتجاري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة التفكير في سياساتها العالمية والتركيز بشكل أكبر على هذا المنطقة.

العامل الثالث كان الصعود السريع للصين كقوة عالمية في ظل نجاحاتها في المجال التكنولوجي والاقتصادي. ومع تصاعد النزعة الوطنية في الصين، أصبحت سياسة “الحلم الصيني” التي تبناها الرئيس شي جين بينغ، تمثل تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة.

التداعيات على آسيا الوسطى

على ضوء هذه التغيرات، أصبح من الواضح أن السياسة الأمريكية باتت تواجه تحديات في آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي كانت تعد جزءًا من دائرة النفوذ الأمريكي خلال الحقبة السوفيتية وما بعدها. مع إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية، يبدو أن واشنطن ترغب في تقليل مسؤولياتها في هذه المنطقة وتفويض بعض هذه المسؤوليات إلى حلفائها الأوروبيين.

وهكذا، إذا تم تنفيذ هذه السياسة، فإن ذلك قد يعني زيادة في وجود الأوروبيين في آسيا الوسطى، سواء في المجالات الإنسانية أو في “القوة الناعمة”. فمن المتوقع أن يحل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية محل الولايات المتحدة في بعض القطاعات، بما في ذلك النشاطات المتعلقة بالمعونة الإنسانية، والإعلام، والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى