أخبار العالم

عام على رحيل باسل شحادة بعد التحرير.. إعلاء صوت الحزن المؤجل في دمشق

كتبت/ مي عبد المجيد 

 

لطالما ترددت على مسامعنا مقولة “الذاكرة عتاد الثائرين”، لكن قصة باسل شحادة، تخبرنا بأن تلك المقولة ما كانت “عن عبث”، بل جسدها باسل خلال رحلة كاميرته القصيرة، والاستثنائية في الوقت نفسه.

وللمرة الأولى بعد أكثر من من ثلاثة عشر عاماً، تُراق الدموع علنا على فراقه ممّن عرفوه وأحبوه أو حتى سمعوا به مصادفةً!

دموعٌ لم يمنعها الحاضرون في “بيت فارحي” وسط دمشق، كما منعها المشيعون والمعزّون قبل سنوات خوفاً من بطش مخابرات النظام وملاحقة شبيحته.

ولربما كان انتهى الحزن لو أن باسل ورفاقه كانوا موجودين حتى يوثقوا لحظات التحرير كما وثقوا بدايات الثورة وعنفوانها الأول.

كاميرا فوق الجثمان: بداية الطريق

في حديثها الذي لم يخلُ من الغصّة والحُرقة، تحدثت (وفا علي مصطفى) عن صديقها باسل وعن أول ما وثقته كاميرا باسل؛ إنه تأبين شهيد في كفرسوسة بدمشق.

“لماذا وضعت الكاميرا فوق جثمان الشهيد بينما يطوف المشيعون بالجثمان؟” سألته (وفا).

فأجاب: “ليكون مشهداً بأعين الشهيد نفسه”.

تلك كانت البدايات الإبداعية لمصور ومخرجٍ أراد للثورة أن تقترن بالفن بينما كان الثوار في حمص، والذين صورتهم كاميرا باسل، يهتفون “سلمية سلمية غصباً عنك يا أسد”.

لم يكن باسل آنذاك يعرف بأنه ستكون للثورة ذاكرة طويلة تأبى النسيان والاندثار؛ ذاكرة صنعتها الكاميرات كما دافعت عنها البنادق.

تقول (وفا): “علمنا باسل، حتى بعد غيابه، كيف نحبّ هذه البلاد وأهلها، دون تفكير بانتماء أو تعريف أو هوية… إنه حبٌّ خالص يأبى الهزيمة”.

صديق الطريق.. صديق المصادفة 

صار باسل بصورته العفوية، لمن كانوا حوله “أيقونة” حاضرة بينهم على الدوام حتى بعد سنوات من رحيله.

تقول صديقته (بشرى علي): “كنت ألقاه في الطريق إلى العمل، في باب شرقي، وفي كل مكان.. وكما كتب عنه الصديق غيث أديب، مرةً على فيسبوك: باسل رح يشتقلك الطريق!”.

ولأنه صديق الطريق الوفي، كان فيلم “شوارعنا” شاهداً على شابٍ حمل روحه بيد وأمسك الكاميرا باليد الثانية، وسار في طريقٍ لا يخشى مخاطره.

قرر باسل تصوير فيلم “شوارعنا” في الذكرى الأولى للثورة السورية، في مناطق مختلفة من سوريا، من حمص إلى غوطة دمشق إلى درعا والساحل وسلمية.

بسيارتهم المدججة بالكاميرات، والتي تقودها شابة (لينا الحافظ)، تنقلوا ونقلوا مشاهد الثورة لإنتاج فيلم عن ثورةٍ حاول نظام الأسد وأدها بوأد أبنائها.

تقول (لينا): “نجونا من حواجز الأمن المنتشرة بين منطقة وأخرى، لقد انطلت عليهم حيلة الفتاة في كرسي القيادة. وصلنا إلى الشام بعد إنهاء التصوير، لكن تعطُّل الجهاز ووحدة التخزين (الهارد) كان صدمةً أحبطتنا.. لقد فقدنا كل شيء!”.

أما باسل فقد كان له قرار آخر بعد فقدان المواد المصورة، أخبر باسل أصدقاءه: “ما عندي وقت وقّف.. هذا يلي صار! أنا رايح صوّر شيء ثانٍ”.

وشاءت الأقدار أن يُعرض فيلم “شوارعنا” بعد رحيل باسل؛ لقد وصل (الهارد) إلى مؤسسة “بدايات” التي استعانت بخبير تقني تمكن من استخراج جزءٍ من المواد المصورة القابلة للإنتاج. فكان الفيلم دليلاً آخراً وأخيراً على شجاعة شابٍ ترك بصمته في ذاكرة الثورة السورية.

مجزرة الحولة وسقوط الشاب “المضاد للرصاص” 

ضحايا من الأطفال، عائلات كاملة، ضحايا من النساء، في مجزرة هزّت كيان العالم وتلقّت من الوعود بالتحقيق والمحاسبة أكثر مما سال فيها من الدماء!

هي مجزرة الحولة التي دفعت بباسل والرفاق إلى درب الحقيقة المارّ بالموت.

كانوا أربعة شبان وكان أكبرهم باسل شحادة في الثامنة والعشرين من عمره، سقطوا جميعاً بقذيفة هاون “أسدية” في الثامن والعشرين من أيار 2012، بحي باب سباع بحمص.

تقول (لينا): “لكثرة ما نجا باسل من ملاحقات الموت، ظننا أنه سينجو دائماً حتى أسميناه: الشاب المضاد للرصاص، لكنه رحل وسط ذهول الجميع”.

 “البعبع الأمني”.. مأساة عائلة خائفة 

كان السؤال الأول الحاضر في أذهان الأهل والأصدقاء بعد رحيل باسل شحادة: 

كيف يصل الجثمان إلى دمشق دون أن ثعبث به مخالب المخابرات ودون أن تُنتزَع النعوات المعلقة على الجدران كما انتزعوا روح باسل؟!

تقول (لينا): “لم يقدم لنا أحد أيَّة ضمانة، ولا حتى المراقبون الدوليون الذين كانوا آنذاك في سوريا، لقد قالوها صراحةً: لا نستطيع ضمان وصول الجثمان بسلام”.

وصار حقاً ما كان مسبباً للخوف، إذ يروي أصدقاء باسل كيف هاجم شبيحة الأسد كنيسة “الكيريلوس” في منطقة القصاع وسط دمشق، واعتقلوا ثلاثة من المعزّين وتحول التشييع إلى “مسيرة” تهتف لرأس النظام المخلوع.

تقول (لينا): “وصلتُ مساءً من حمص إلى دمشق، ومشيت من باب شرقي إلى بيت باسل، ولم أجد نعوة واحدة له.. كان الطريق مظلماً كما البلاد، لقد اقتلعوا كل النعوات على الرغم من مخاطرة الأصدقاء في أثناء تعليقها”.

من أجل الضحايا.. مواطنة بلا ضحايا! 

لم يكن الخلاص من حكم الأسد مجانياً، بل كان طريقاً طويلاً معبداً بأجساد السوريين، مرسوماً بدمائهم في المعتقلات وساحات التظاهر.

وقد أدرك باسل شحادة ذلك منذ البدايات حينما قال لأصدقائه “كيف لي أن أترك الثورة لأهتم بمستقبلي؟ أين هو هذا المستقبل من دون وطنٍ حُر؟”.

ولأن الأثمان التي دُفِعَت غاليةٌ إلى هذا الحد، فلا بدّ من أن تكون الحرية والمواطنة حقاً لا خلاف فيه ولا نقاش.

تقول (وفا): “يجب أن نعمل لبلد لا يكون فقد الحياة والتغييب القسري ثمناً يُدفع مقابل القانون والحرية والعدالة فيه”.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى