الحلم أصبح واقعًا.. ابتسامة رمسيس وكنوز توت تستقبل ضيوف مصر بافتتاح المتحف الكبير

بزغ فجر على مصر اليوم، صباح مختلف، يتميز بروعة خاصة. وكانت ابتسامة رمسيس الثاني على وجهه الحجري وكأنه يعلن اكتمال الحلم. بعد أكثر من عشرين عاما من الانتظار، ومرور أجيال من المخططين والمهندسين وعلماء الآثار، يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه اليوم السبت، في احتفال عالمي، ليروي للعالم أعظم قصة عن مصر الحديثة وهي تعيد تعريف علاقتها بماضيها.
منذ بدايته مطلع الألفية، كان المشروع بمثابة سباق مع الزمن والإمكانات أيضاً. وفي عام 2002، تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم متحف يليق بعظمة الحضارة المصرية، وتنافس فيها مهندسون معماريون من أكثر من 80 دولة.
فاز التصميم الأيرلندي برؤية تجمع بين الحداثة والرهبة، فالمبنى الضخم يطل على الأهرامات في خلفية أبدية، وكأن المتحف نفسه يمد يده إلى الحضارة القديمة عبر الأفق الرملي الممتد، وبإرادة الدولة المصرية، تحول المتحف إلى مشروع قومي يتجاوز كونه متحفا للآثار، إلى رمز لاستمرارية الدولة المصرية وقدرتها على تحقيق المستحيل. وفي منتصف العقد الماضي، ومع دخول مصر مرحلة جديدة من الاستقرار، تم إحياء المشروع بزخم غير مسبوق، مع تدفق الخبراء من اليابان، التي قدمت دعمًا فنيًا وماليًا كبيرًا.
كما شاركت الفرق المصرية في ترميم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية في المعامل التي تعد الأكبر من نوعها على مستوى العالم. وهناك، في قلب المتحف، كانت عملية ترميم كنوز توت عنخ آمون تسير بدقة جراحية، تمهيداً لعرضها لأول مرة جميعها مجتمعة في قاعة واحدة.
أما التمثال الذي أصبح أيقونة لمشروع رمسيس الثاني، فقد عاش رحلة لا تقل دراماتيكية عن المتحف نفسه. ومنذ نقلها من ميدان رمسيس عام 2006، وقف الملك الفرعوني الضخم ينتظر مكانها الجديد. وعندما تحرك في موكب مهيب نحو بوابة المتحف، كانت مصر كلها تتابع المشهد في صمت وإعجاب، وكأن التمثال يعيد تموضعه في قلب التاريخ بعد طول غياب. ومنذ ذلك اليوم، أصبح رمسيس حارس المتحف وتعبيرًا عن رمزيته العميقة: مصر التي لا تنكسر.
اليوم، عندما يدخل ضيوف مصر من البهو الكبير ويواجهون رمسيس بابتسامته المهيبة، سيشعرون أنهم أمام لقاء بين مصر القديمة ومصر الحديثة، بين اليد التي بنت الأهرامات والعقل الذي طور تقنيات العرض ثلاثي الأبعاد، لقاء بين عبقرية الحجر وذكاء الشاشات.
ولا يقتصر المتحف الذي تبلغ مساحته على 500 ألف متر مربع على عرض القطع الأثرية فحسب، بل يقدم أيضًا تجربة شاملة تعيد تعريف مفهوم المتحف نفسه. وإلى جانب القاعات والمعارض هناك مساحات تعليمية ومراكز بحثية ومناطق ترفيهية وثقافية مما يجعل المكان مدينة ثقافية متكاملة أي أنه أكثر من مجرد متحف.
ولعل ما يميز هذا الانفتاح هو أنه لا يتعلق بالماضي فقط، بل يفتح الباب للمستقبل أيضا. وتعكس كل تفاصيل المشروع – من التصميم إلى الإدارة – رؤية مصر الجديدة التي تستثمر في ثقافتها كقوة ناعمة. ومن هنا تأتي رمزية الافتتاح في هذا الوقت، ليعلن للعالم أن الهوية المصرية ليست إرثا يظهر خلف الزجاج، بل هي طاقة متجددة تصنع المستقبل.
وبينما تصطف الكاميرات من جميع أنحاء العالم لتسجيل هذه اللحظة التاريخية، سيتجول زوار مصر الأوائل بين الممرات البازلتية والنوافذ الزجاجية المطلة على الأهرامات، ليسمعوا أصداء حضارة عمرها 7000 عام، تعود إلى الحياة. وهكذا، وبعد عقدين من الانتظار، يسدل الستار على أحد أكبر المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين.
لم يكن الطريق سهلا، لكنه انتهى كما بدأ: بابتسامة رمسيس التي تبدو اليوم أكثر دفئا من أي وقت مضى، وكأنه يقول للعالم إن مصر عندما تحلم فإنها تحقق الحلم بالحجر والنور والإرادة.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر




