مصر

وكيل قطاع المعاهد الأزهرية: تنوع المذاهب الفقهية مصدر ثراءٍ وليس سبيلا للفرقة أو التباعد

وقال الدكتور أحمد الشرقاوي وكيل قطاع المعاهد الأزهرية، إن تنوع المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية والعلمية هو مصدر ثروة وتطور، ولم يكن يوما طريقا للانقسام أو سببا للانفصال. وذلك لإدراك الأمة الرشيدة أن الاختلاف فرج ورحمة، وأن التنوع البناء نمو واتساع.

وأضاف سماحته خلال كلمته في الندوة الدولية المشتركة بين الأزهر ووزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية بعنوان “تجارب رائدة وآفاق مستقبلية في تعزيز القيم الوسطية والوسطية” أن وقائع العصر وأحداثه الجارية قد تتسبب في بعض الأحيان في تحول هذا الغنى الفكري والإنتاج العلمي إلى تنافس طائفي وتناقضات فكرية وفلسفية تحاول تقويض مبادئ الاعتدال الحقيقي وقواعد الاعتدال التي تحظى باحترام في عالم الشريعة، لخلق سبب لدائرة الخلاف في فروعها. وبسبب الصراع في المبادئ، غابت بعض مظاهر التسامح، واختفت أهداف المقصد الأكبر للشريعة، وظهرت اتجاهات ضيقة في الساحة المجتمعية والدينية، جعلت كل طرف يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة.

وأوضح أن معارك فكرية اندلعت نتيجة لذلك أنهكت الأمة إلى حد ما وحوّلت طاقتها عن مهمتها الحضارية الكبرى. أعرض البعض عن العدالة، وهنا يكمن الخطر الجسيم والتحدي الكبير الذي يواجه الاعتدال الإسلامي، المناقض لمبادئه الأساسية، والمناقض لأهدافه السامية، حيث أصبح صوت الدعوة إلى التعاون والوئام صوتاً خافتاً وسط زحام الأصوات العالية المتخاصمة.

وشدد وكيل قطاع المعاهد الأزهرية على أن الدفاع عن الاعتدال هو دفاع عن وحدة الأمة نفسها. لكن المستقبل يبشر بوعي جديد بدأ ينمو بين شباب الأمة، ويدرك أن السلام والسلام لا يتحقق عن طريق التنافس، بل عن طريق التعارف والتآلف والتعاون والحوار، وأن التنوع ليس عكس الوحدة، بل هو نضج الأمة وإثراء شهادتها تنفيذا لقوله تعالى. " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".

وتابع " الشرقاوي" ويقف الأزهر الشريف ووزارة الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية معًا لتعزيز قيم الوسطية والوسطية وتوحيد الكلمة بما يحفظ العقول من الخلل ويحمي الأفكار من الخطأ. إننا نرى أمامنا آفاقاً واعدة لنهضة فكرية تعيد للدين الحنيف وجهه المشرق، وبهائه النقي، ومنابعه العذبة، وتحافظ على نقائه، وتديم عطاءه، وتمتد اعتداله العالمي، وتعلي كلمة الحق، وتنشر قيم العدل. والرحمة.

وأوضح سماحته أن اختلاف وجهات النظر أو اختلاف آليات العمل لا يفسد قضية الاعتدال العالمي ولا يقطع الأخوة الإنسانية. بل التعاون من أجل إعلاء قيم الحق والعدل وترسيخ مفاهيم الاعتدال الحقيقي هو ما يليق بقانون التخفيف والرحمة.

وأوضح أن أمتنا شهدت على مر العصور فئات اعتقدت أن حفظ الدين لا يتم إلا بالتضييق على الناس، وأن الغيرة عليه تعني إغلاق أبواب الاجتهاد والرحمة. وغاب عنهم أن شريعة الإسلام جاءت لحماية مصالح الناس وإعادة بناء البلاد. وهو كله عدل ورحمة، ويقوم على الحكم والمصالح، وهدفه الأعظم التيسير وليس التعسير.

وأوضح أنه مع تجدد الوعي بأن الاعتدال ليس خروجا عن الدين، بل هو عودة إلى نقاء روحه ونقاء مصدره، فإن المستقبل يحمل الأمل في استعادة هذا الفهم العقلاني. وعليه تقود المؤسسات العلمية، وأبرزها الأزهر الشريف والشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية، مشروعاً متوازناً يعيد للعقل اعتداله وتوازنه، ومرونة النصوص، في تفاعل عقلاني بين الثابت والمتغير.

وشدد على أن الاعتدال والاعتدال هما أصل كل تقدم ورقي، ومصدر كل سعادة ونعيم، وأن التطرف والتطرف هما أصل كل حزن ووهم وجهل وفقر ومشقة، وهما مصدر كل حقد وظلم وبؤس. وأوضح أن الاعتدال في هذا السياق ليس تساهلاً ولا تمييعاً، بل هو فقه دقيق يدرك أن الركود خيانة لروح الشريعة، وأن مراعاة المقاصد ليس ترفاً فكرياً، بل هو جوهر الدين. يقول الامام القرافي: " الإصرار على المنقولات مطلقاً هو نوع من الضلال في الدين والجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف السابقين ".

وأكد وكيل قطاع المعاهد الأزهرية، أن المستقبل المشرق يعتمد على قدرتنا على تخريج جيل من العلماء يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعمق التراث وفقه الواقع، وجيل يعيد الإسلام إلى نقائه الأصيل كرسالة العدل والرحمة والحكمة التي ترشد الإنسان إلى التوازن بين العقل والضمير، والنص والروح.

وأوضح أن الحرية في جوهرها نعمة إلهية ترفع من كرامة الإنسان وتمنحه القدرة على الاختيار. وفي بعض الثقافات الحديثة، تحول إلى شعار يستخدم لتبرير التمرد على كل سلطة دينية، حتى على الخالق. ولم يعد الإلحاد المعاصر مجرد إنكار فلسفي لوجود الله، كما كان في عصر الماديين. بل أصبحت ظاهرة ثقافية وإعلامية تتخفى خلف شعارات براقة مثل: "تحرير الإنسان" و"الافراج عن العقل"يتم تقديم الدين على أنه قيد على الإبداع، ويتم تصوير الإيمان على أنه خصم للتقدم.

وأضاف أنه وسط هذا الاتجاه الكاسح يتعرض الاعتدال الإسلامي لهجمة مزدوجة من المتطرفين الذين يقيدون العقل باسم الدين، ومن غير المتدينين الذين استبعدوا الدين باسم الحرية، وكلا الطرفين يفرغان الدين من جوهره ومعناه، ويهدمان التوازن الذي جاء به الإسلام الصحيح.

وأكد أن الاعتدال هو ما يحفظ مكانة العقل دون إلغاء دور الوحي، ويجمع بين نور البرهان وصفاء الإيمان، وتنفيذ الفكر وخنوع القلب. وتؤمن أن الحرية ليست التحرر من كل قيد، بل هي التحرر من عبودية الهوى والشهوة والمصلحة، وأن العقل إذا خلا من الهداية الإلهية ضل، كما أن الإيمان إذا انقطع عن نور العقل تجمد.

وتابع " الشرقاوي" واليوم، ونحن نرى الشباب المسلم في صراع بين المادية الجافة والروحانية الغائبة، تبرز مسؤولية المؤسسات الدينية والفكرية في بناء خطاب جديد يجمع بين لغة العلم ولغة الروح، ومنطق الفلسفة ودفء التجربة الإيمانية.

وأكد أن مستقبل الاعتدال في مواجهة هذه التحديات يعتمد على قدرته على تقديم نموذج متكامل من الحرية الإيمانية، والعقل الهادئ، والإيمان الواعي، مما يثبت أن الإسلام لا يعارض العلم، ولا يقمع الفكر، بل يشجعه في سياقه الذي يعتبره له الشرع والواقع، ليكون طريقا إلى معرفة الله عز وجل، وتعمير أرضه، وبسط عدله في عالمه، وإيصال إحسانه إلى خلقه.

وأؤكد أن الالتزام بما يقوم عليه الأزهر الشريف في بيان العلم والدين والأخلاق هو نوع من الإجراءات القانونية والعملية الكبرى التي تساهم بالتأكيد في حماية المنظومة الإنسانية العامة. ونحن في هذه الظروف الراهنة أحوج ما نكون إلى توضيح التراث الإسلامي، ودراسته، وتوجيه فهمنا نحو سعة الشريعة الشريفة، واتساع قواعدها الشاملة، وشمول أحكامها للنوازل المستجدة.

وأوضح أننا بحاجة إلى اعتدال يمتد من الحرمين الشريفين إلى مدينة الأزهر الشريف، اعتدال يبني العقول على النهج وليس على الموقف، ويربي القلوب على الرحمة لا على القسوة، ويعلم الناس أن التنوع لا يفسد الوحدة، وأن الاختلاف في الرأي لا يلغي أخوة الإيمان.

واختتم وكيل قطاع المعاهد الأزهرية كلمته قائلا إن المستقبل الذي ننتظره ليس نظريا، بل هو مشروع عملي تشارك فيه المؤسسات العلمية والفكرية والإعلامية والتربوية، لإعادة بناء الإنسان المسلم القادر على الفهم والنقد والتمييز بين الفقير والغالي. ولن يأتي ذلك إلا إذا جعلنا الاعتدال منهج حياة، والاعتدال رؤية للعالم، والقيم الإسلامية الكبرى نقطة انطلاق للتجديد والإصلاح.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى