تقارير

العلاج باللعب «استعادة آمنة» للتجارب السيئة

اللعب لغة إنسانية تتجاوز الكلمات، وتفتح الباب للتعبير عن أعمق المشاعر التي قد تعجز اللغة عن وصفها.

ولا يقتصر دوره على الترفيه أو التثقيف، بل يمتد ليصبح وسيلة علاجية فعالة تعيد للإنسان التوازن النفسي، سواء كان طفلاً يواجه آثار العنف، أو بالغاً يسعى لاستعادة توازنه وسط ضغوط الحياة اليومية.

ويؤكد المعالج النفسي المتخصص في الإرشاد والعلاج باللعب الدكتور أمجد أبوجادي لـ«الإمارات اليوم» أن «العلاج باللعب يمثل نهجاً علاجياً متكاملاً يعتمد على توظيف بيئة اللعب لفهم التجربة النفسية والتعبير عنها بطريقة رمزية وآمنة».

وأوضح أن العلاقة بين العلاج باللعب والعلاجات الأخرى هي “علاقة تكاملية”، حيث يمكن للمعالج الاستفادة من الأساليب النظرية في مدارس العلاج الأخرى، مثل العلاج السلوكي أو السردي، لتطبيقها من خلال بيئة اللعب، لأن “النظريات تساعد على الفهم، بينما التطبيق العملي يكون من خلال اللعب نفسه”.

وعن أهمية هذا النوع من العلاج، قال إنه يمثل أداة مهمة في دعم الأطفال ضحايا العنف أو الاستغلال، إذ يمنحهم وسيلة آمنة للتعبير عن تجاربهم المؤلمة.

وقال: «اللعب يساعد الطفل على التحدث من خلال الرموز بدلاً من الكلمات، لأن الأطفال الذين تعرضوا لصدمات لا يتمكنون من وصف مشاعرهم بشكل مباشر، نتيجة خلل مراكز اللغة في الدماغ».

وأشار إلى أهمية تدريب العاملين في مختلف القطاعات، سواء في الأجهزة الشرطية أو المحاكم أو الجهات الاجتماعية، على فهم تقنيات العلاج باللعب، لأن معرفة سلوك الطفل منذ اللحظات الأولى للتعامل معه يساهم في تجنب ما يعرف بـ”الصدمة الثانية”، وهي الحالة التي تتشكل عندما يواجه الطفل أسلوب تحقيق أو استجواب لا يراعي حالته النفسية. وأوضح أنه يمكن للجهات المختصة توظيف أساليب اللعب عند استجواب الأطفال، لأن ألعابهم غالباً ما تعبر عن التجربة التي مروا بها، وتوفر مؤشرات نفسية يمكن تفسيرها من خلال التفاعل. تلقائي.

وأضاف: «اللعب يخلق بيئة تواصل ويكسر الحواجز بين الطفل والطرف المسؤول عن التعامل معه، مما يساعد على بناء الثقة واستكشاف المشكلة دون أن يشعر الطفل بالخوف أو الرفض»، مؤكداً العلاقة التكاملية بين العلاج باللعب وغيره من العلاجات، حيث يمكن دمج أنشطة اللعب التعبيرية مع الأساليب العلاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي، لتعزيز المهارات التي يسعى المعالج لبنائها لدى الطفل، أو دعم جلسات العلاج السردي من خلال أنشطة تفاعلية تحفز التعبير والمشاركة العاطفية.

وأضاف: “يتميز العلاج باللعب بمرونته، حيث يمكن دمجه بسهولة مع المدارس العلاجية المختلفة، حيث يوفر مساحة آمنة للتعبير الرمزي عن التجارب. ولا يقتصر الجانب العلاجي على تفسير السلوك فقط، بل يمتد إلى خلق تجربة تصحيحية جديدة تعيد بناء الأمن الداخلي للطفل تدريجياً وتخفف من آثار الصدمة التي يتعرض لها”.

وعن الأدوات المستخدمة، أوضح الدكتور أمجد أبوجادي أن العلاج باللعب لا يعتمد على ألعاب محددة، بل يعتمد على الأدوات التي تمثل الحياة بكل تفاصيلها، مثل الدمى والشخصيات الرمزية والحيوانات الصغيرة والنماذج التي تعكس الأدوار الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى أدوات التعبير الفني مثل الرسم واللصق والصلصال والرمل والموسيقى والحركة.

وقال: “نعطي الطفل مساحة ليختار ما يشعر أنه يمثله، لأن الهدف هو خلق بيئة آمنة يستطيع فيها التعبير عن تجربته دون خوف أو ضغوط. وأثناء اللعب، يبدأ الطفل بإعادة تمثيل التجربة المؤلمة بشكل رمزي، بينما يساعده المعالج على إعادة صياغة هذه الرموز، ضمن إطار يمكن فهمه ومعالجته”.

وأوضح أن هذا النوع من العلاج له “أساس عصبي دماغي”، إذ يعمل على تهدئة نشاط الدماغ المرتبط بـ”وضع البقاء” الناتج عن الصدمات، وفي المقابل ينشط المناطق المسؤولة عن الخيال والتفكير الإبداعي، مما يعيد الدماغ إلى توازنه الطبيعي.

وأضاف: “الفرق بين العلاج التقليدي والعلاج باللعب هو أن الأول يركز على الحديث عن التجربة، بينما الثاني يسمح بتمثيلها والتعامل معها بشكل غير مباشر وبطريقة أكثر أماناً، مما يساعد في الوصول إلى الشفاء العميق دون إثارة الخوف أو المقاومة”.

وتابع الدكتور أمجد أبوجادي: “لا يقتصر العلاج باللعب على الأطفال، بل يمكن تطبيقه على البالغين أيضًا في الحياة اليومية، كنشاط تعبيري يسمح لهم بالتخلص من المشاعر المكبوتة التي يصعب التعبير عنها بالكلمات”.

وقال: “إن العديد من الأعمال الأدبية والفنية هي في الأساس تعبير عن الذات من خلال اللعب الرمزي. وهي شكل من أشكال العلاج باللعب للبالغين”.

وأضاف: “الأنشطة التي تسمح للبالغين بالتحرر من التوتر والعيش في اللحظة الحالية (مثل الرسم والكتابة الإبداعية واستخدام الطين أو صندوق الرمل) تساعد في تعزيز الصحة العقلية والتحرر من التوتر”.

وأوضح أن توظيف اللعب في «بيئات العمل» أصبح أيضاً وسيلة فعالة لتعزيز الصحة النفسية، إذ تتبنى بعض المؤسسات برامج رعاية ذاتية تعتمد على أنشطة تفاعلية تشجع الموظفين على الإبداع والابتعاد عن الضغوط النفسية. وأوضح أن هذه التطبيقات تسلط الضوء على أهمية دمج اللعب كوسيلة علاجية وتعليمية في حياة الإنسان اليومية بغض النظر عن عمره.

وأشار إلى نوع خاص من العلاج باللعب يعرف بـ”العلاج باللعب العائلي”، وهو أسلوب يركز على “إشراك الوالدين في جلسات العلاج، ففي هذا النوع من العلاج يقضي الوالدان حوالي 30 دقيقة أسبوعيا في جلسات لعب مخصصة مع الطفل وفق قواعد محددة، بهدف بناء علاقة أكثر دفئا وثقة”.

وأوضح أن هذه الطريقة أثبتت فعاليتها في التعامل مع مشاكل الأطفال النفسية والسلوكية، كالعنف أو العدوان، وكذلك في حالات التعلق غير الآمن، حيث تساعد على “استعادة العلاقة الوالدية” وإعادة تشكيل أنماط التواصل بين أفراد الأسرة.

وأضاف: «اللعب هنا لا يهدف إلى الترفيه، بل إلى إعادة بناء الجسور بين الوالدين والطفل، وإشراكهما في العملية العلاجية بطريقة إيجابية تخلق فهماً مشتركاً وبيئة داعمة للنمو العاطفي».

وأكد أن اللعب ضرورة نفسية، فهو لغة التعبير الأولى للإنسان منذ الصغر، ومن خلاله يمكن علاج أعمق الجروح النفسية بطريقة رمزية وإنسانية. وقال: «عندما نمنح الطفل أو حتى البالغ مساحة آمنة للعب، فإننا نمنحه فرصة لاستعادة توازنه مع نفسه ومع العالم من حوله»، مؤكداً أن «العلاج باللعب يعيد للإنسان قدرة على التفاعل الإيجابي مع تجاربه، وتحويل الألم إلى وعي، ومواجهة المشاعر السلبية».

• الأطفال الذين تعرضوا لصدمات لا يستطيعون وصف مشاعرهم، نتيجة خلل في مراكز اللغة في الدماغ.

• الرسم واستخدام الطين أو صندوق الرمل يساعد في تخفيف التوتر وتعزيز الصحة العقلية.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى