تقارير

التمويل الألماني والرؤية البريطانية يقويان القدرات الدفاعية الأوروبية

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة في ولايته الأولى عام 2017، تسيطر حالة من القلق على الدول الأوروبية بسبب حديثه المتكرر عن ضرورة قيام الولايات المتحدة بتخفيف عبء الدفاع عن القارة الأوروبية في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتجددت المخاوف مع عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، مما دفع الدول الكبرى في أوروبا إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية استعداداً لتقلص مظلة الحماية الأمريكية، تزامناً مع تصعيد روسيا تجاه الغرب منذ حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وفي تحليل نشر على الموقع الإلكتروني للمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، قال الزميل الاستشاري لبرنامج الأمن الدولي في المعهد، الجنرال السير ريتشارد بارنسون، إن بريطانيا تواجه صعوبة في تنفيذ بنود مراجعة الدفاع الاستراتيجي للعام الحالي، حيث حددت المراجعة عمق واتساع التحول اللازم لإحداث أكبر تغيير في كيفية تصميم وبناء وتشغيل القوات المسلحة منذ أكثر من 100 عام.

ومن ناحية أخرى، فإن نقص التمويل وحاجة بريطانيا لفترة أطول لتوفير التمويل يعيق تنفيذ الإجراءات المطلوبة لمواجهة المخاطر التي حددتها مراجعة الدفاع الاستراتيجي.

وفي الوقت نفسه، تبذل ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، جهوداً مضنية لتصبح القوة العسكرية التقليدية الأبرز في أوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة، لكنها لا تزال أقل من الطموح الجذري للقدرات العسكرية الذي تسعى إليه بريطانيا، وبالتالي يمكن للبلدين معاً تحقيق نتائج أفضل على صعيد تعزيز القدرات العسكرية لأوروبا ككل.

حددت المراجعة الإستراتيجية الدفاعية البريطانية مطلبين كانا متعارضين دائمًا. الأول كان للردع، وإذا لزم الأمر، القتال في ضوء الواقع الاستراتيجي الجديد. والثاني هو تحديد ما يمكن القيام به لتحقيق هذه النتيجة في إطار مالي مدته عشر سنوات.

ويعكس هذا الإطار المالي الظروف المالية البالغة الصعوبة التي تعاني منها بريطانيا، مع نمو اقتصادي شبه معدوم، وقطاع عام يواجه تحديات كبيرة، وقيود صارمة على القدرة على زيادة الضرائب والاقتراض الحكومي.

وهذا يعني أنه في حين أنه من المفترض أن تصل القدرات الدفاعية البريطانية إلى المستويات المطلوبة بشكل عام في غضون 10 سنوات، فقد واجهت صعوبات بالغة في المضي قدمًا خلال العامين الماضيين بسبب نقص التمويل.

كما يعتقد العديد من شركاء بريطانيا في الناتو أن الحلف يحتاج إلى تحقيق تقدم ملموس في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، وليس 10 سنوات، مما يعني أن بريطانيا تخطط بشكل طموح ودقيق لتطوير قدراتها الدفاعية، لكنها تستغرق ضعف الوقت المتاح لها.

إن هذا التناقض بين الاحتياجات الدفاعية العاجلة والقيود المفروضة على الإنفاق العام السريع يفسر جزئياً ما يبدو أنه كان صعباً للغاية خلال الأشهر الستة الأولى من تنفيذ مراجعة الدفاع الاستراتيجي. إن الافتقار إلى أموال إضافية خلال العامين الأولين يعني ضرورة إيجاد مدخرات قصيرة الأجل وخفض الإنفاق، فضلاً عن التأثيرات المجتمعة للتضخم وتقلبات أسعار الصرف وأوجه القصور في تنفيذ البرنامج، وإعادة تقدير تكاليف التوصيات الواردة في خطة الاستثمار الدفاعي العشرية؛ إثارة بعض القلق.

من جانبها، ستنفق ألمانيا مبالغ ضخمة على قواتها المسلحة خلال نفس الفترة البالغة 10 سنوات، مما يعني أنها ستتفوق بسرعة على كل من بريطانيا وفرنسا في الإنفاق الدفاعي.

وتعهد المستشار الألماني فريدريش ميرز في مايو/أيار الماضي بأن يصبح الجيش الألماني “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”.

ومن المتوقع أن تنفق ألمانيا 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2029، أي ما يعادل 162 مليار يورو سنويا، بما في ذلك دعم أوكرانيا. كما تخطط لإنفاق 649 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها 400 مليار يورو سيتم تمويلها من خلال الاقتراض الحكومي بعد التعديل الدستوري الذي خفف القيود الصارمة على الاقتراض الحكومي في ألمانيا.

وأخيرا، يرى بارونز أن بريطانيا لديها أفكار تنموية طموحة وحديثة تجد صعوبة في تحملها، في حين أن ألمانيا لديها خطط إنفاق ضخمة، لكن تفكيرها قد يكون عفا عليه الزمن وعفا عليه الزمن، لذا فإن الدفاع الأوروبي سيتضرر إذا واجهت بريطانيا صعوبة في تحمل تكلفة تحولها العسكري، بينما تنفق ألمانيا بسرعة مبالغ ضخمة على معدات ستصبح قديمة قريبا، لذا سيكون من الأفضل للردع الأوروبي أن يجمع بين الفكر البريطاني والقدرة المالية الألمانية لبناء نظام دفاعي فعال في أوروبا.

ومع الاستخدام الذكي لرأس المال والشراكات الصناعية الجديدة، قد يكون من الممكن إيجاد سبل لتحسين أداء مراجعة الدفاع الاستراتيجي لبريطانيا من خلال شراكة أقوى بكثير مع ألمانيا.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى