القوات البحرية المصرية والروسية تستعرض قوتها في “جسر الصداقة-2025”

القاهرة: هاني كمال الدين
في خطوة تعكس عمق العلاقات العسكرية بين روسيا ومصر، شهدت مياه البحر الأبيض المتوسط مناورات بحرية مشتركة تحت اسم “جسر الصداقة-2025” خلال الفترة من 6 إلى 10 أبريل 2025. تأتي هذه التدريبات في إطار التعاون المستمر بين البلدين لتعزيز القدرات الدفاعية وتبادل الخبرات في مجالات الأمن البحري ومكافحة التهديدات المشتركة.
المرحلة البرية: تنسيق ميداني وتدريبات مشتركة
انطلقت المناورات بمرحلة برية شملت تدريبات مكثفة بين وحدات من مشاة البحرية الروسية، تحديدًا من اللواء الحرس الخاص التابع لأسطول الشمال، ونظرائهم من القوات البحرية المصرية. تضمنت هذه المرحلة تدريبات على الرماية باستخدام الأسلحة الخفيفة، بالإضافة إلى تمارين على إجراءات تفتيش السفن، مما يعكس التركيز على تعزيز التنسيق والتفاهم بين القوات المشاركة.
المرحلة البحرية: تكتيكات متقدمة وتنسيق عالي المستوى
في المرحلة البحرية، التي جرت في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، نفذت القوات المشاركة سلسلة من التمارين التي شملت الدفاع ضد الزوارق السريعة، والتصدي لهجمات جوية محتملة، حيث قامت طائرات F-16 التابعة للقوات الجوية المصرية بمحاكاة هجمات جوية، مما أتاح للقوات البحرية اختبار جاهزيتها في مواجهة مثل هذه التهديدات.
تدريبات على تفتيش السفن والإنقاذ البحري
أحد أبرز جوانب المناورات كان التدريب على تفتيش السفن المشتبه بها، حيث عملت فرق التفتيش الروسية والمصرية بشكل مشترك لتنفيذ هذه العمليات، مما يعزز من قدرتهما على التنسيق في مهام الأمن البحري. كما شملت التدريبات تمارين على عمليات البحث والإنقاذ في البحر، بالإضافة إلى تدريبات على الاتصالات والمناورات المشتركة، مما يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية للقوات المشاركة.
التعاون الجوي: هبوط مروحية روسية على فرقاطة مصرية
في مشهد يعكس التنسيق العالي بين القوات البحرية للبلدين، قامت مروحية Ka-27 التابعة للفرقاطة الروسية “الأدميرال غولوفكو” بالهبوط على سطح الفرقاطة المصرية “الجلاء”، مما يدل على قدرة القوات على تنفيذ عمليات مشتركة معقدة تتطلب تنسيقًا دقيقًا.
أولت مناورات “جسر الصداقة-2025” اهتمامًا كبيرًا للتمارين الخاصة بالدفاع الجوي والتعامل مع الهجمات الجوية المفترضة. وفي هذا السياق، قامت القوات المشاركة بتنفيذ سيناريوهات هجومية معقدة لعبت فيها طائرات F-16 المصرية دور “العدو الافتراضي”، حيث شنت هجمات جوية وهمية على القطع البحرية المشاركة في التمرين. وقد قامت الفرق الروسية والمصرية بصدّ تلك الهجمات باستخدام أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة على متن السفن الحربية، في مشهد جسّد جاهزية القوات وقدرتها على التصدي لمثل هذه التهديدات.
هذا النوع من التمارين يعكس مدى حرص الجانبين على تطوير قدراتهما في مواجهة التهديدات غير التقليدية، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتنامي استخدام الوسائل الجوية في النزاعات المعاصرة، سواء من خلال الطائرات المأهولة أو المسيرة.
سيناريو تفتيش سفينة مشبوهة: تكامل تكتيكي في البحر
من أهم الحلقات التي شهدتها المناورات كان تنفيذ سيناريو خاص بتفتيش سفينة مشبوهة في المياه الدولية. وقد جرى هذا التمرين وسط ظروف تحاكي الواقع، حيث اقتربت الفرقاطة الروسية والمصرية من الهدف المفترض، وتم إنزال فرق التفتيش من الجانبين عبر قوارب سريعة إلى متن السفينة المفترضة.
وخلال العملية، أظهر الجنود الروس والمصريون تنسيقًا عاليًا في تنفيذ الخطط التكتيكية، بدءًا من تأمين محيط السفينة، وحتى الصعود إليها، وتفتيشها وفقًا للإجراءات العسكرية المتبعة. ويعد هذا النوع من التمارين ضروريًا في مكافحة التهريب، والقرصنة البحرية، والأنشطة غير المشروعة التي قد تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي.
الرماية الحية: الجاهزية القتالية في البحر
وفي جانب آخر من المناورات، أُجريت رمايات حية باستخدام المدفعية المثبتة على السفن الحربية، حيث استهدفت القوات البحرية الروسية والمصرية أهدافًا بحرية عائمة تمثل تهديدًا افتراضيًا. وقد تم تنفيذ هذه الرمايات وفقًا لقواعد الاشتباك البحري، مع استخدام أنظمة الرصد والتعقب لتحديد الأهداف ومتابعتها بدقة.
هذه التمارين لا تهدف فقط إلى اختبار دقة إصابة الأهداف، بل تسعى كذلك إلى تحسين التنسيق بين طواقم السفن، والتأكد من جاهزية الأنظمة القتالية، والقدرة على الرد السريع في حالات الاشتباك المباشر.
الهبوط البحري: مروحية روسية على سطح الفرقاطة المصرية
في تطور لافت خلال مجريات المناورات، قامت مروحية Ka-27 التابعة لسلاح البحرية الروسي بالهبوط على سطح الفرقاطة المصرية “الجلاء”. هذا الحدث يحمل رمزية عالية من حيث قدرة القوات على العمل بشكل متكامل، ويعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين.
إن تنفيذ هذا النوع من العمليات يتطلب دقة في الحسابات والملاحة الجوية، فضلًا عن التنسيق بين أطقم السفن والمروحيات، مما يؤكد على مدى الجهوزية الفنية والتقنية للقوات البحرية لدى البلدين.
البحث والإنقاذ: روح التعاون في إنقاذ الأرواح
في أحد أكثر التمارين إنسانية، تم تنفيذ سيناريو خاص بعملية بحث وإنقاذ بحري، حيث جرى رصد إشارة استغاثة وهمية، وتوجهت على إثرها قطع بحرية روسية ومصرية إلى موقع الحدث لتنفيذ عملية الإنقاذ. وتم خلال التمرين إنزال غواصين، وتقديم الإسعافات الأولية للمصابين المفترضين، ونقلهم إلى السفن لتلقي العلاج.
مثل هذه التمارين تمثل جانبًا حيويًا من المناورات، حيث تبرز أهمية التعاون في مواجهة الكوارث والحوادث البحرية، سواء في زمن السلم أو الحرب.
رسائل استراتيجية متعددة الاتجاهات
تأتي مناورات “جسر الصداقة-2025” في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، حيث تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى، وتتنامى أهمية البحر المتوسط كمسرح حيوي للتنافس الجيوسياسي. وتشير هذه المناورات إلى رغبة موسكو والقاهرة في تعزيز شراكتهما الاستراتيجية، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل في إطار أوسع يشمل الأمن البحري ومكافحة التهديدات العابرة للحدود.
ومن خلال هذه التمارين المشتركة، تبعث الدولتان برسائل واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أنهما تمتلكان الإرادة والقدرة على التعاون لحماية المصالح المشتركة، وتأمين خطوط الملاحة البحرية، ومواجهة التحديات الأمنية المستجدة، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في موازين القوى.
تعزيز القدرات العسكرية وتبادل الخبرات
لا تقتصر أهمية هذه المناورات على الجانب الاستعراضي، بل تتجلى أهميتها الحقيقية في تعزيز القدرات العملياتية للقوات المسلحة في كلا البلدين، وتبادل الخبرات الميدانية بين القوات البحرية، وتحديث العقائد القتالية بما يتماشى مع طبيعة التهديدات المعاصرة.
وقد أظهرت القوات المصرية والروسية خلال تنفيذ التمارين درجة عالية من التنسيق والتكامل، وهو ما يعكس عمق التحضير والتدريب المشترك، ويعزز فرص العمل المستقبلي المشترك في مجالات أكثر تطورًا.
مناورات تتجاوز الجغرافيا
رغم أن المناورات جرت في شرق البحر المتوسط، إلا أن دلالاتها تتعدى البعد الجغرافي، إذ تعكس سعي مصر لتأكيد دورها الإقليمي الفاعل، وتوازن علاقاتها الدفاعية مع مختلف الأطراف الدولية. كما تعكس في المقابل رغبة روسيا في توسيع شراكاتها الاستراتيجية مع دول الشرق الأوسط، في ظل سياسة الانكفاء النسبي لبعض القوى الغربية عن المنطقة.
وتؤشر المشاركة الروسية الفاعلة، خصوصًا من خلال وحدات النخبة كفرقاطة “الأدميرال غولوكو” ومروحيات “كا-27″، إلى أن موسكو تنظر بجدية إلى هذه المناورات بوصفها منصة استراتيجية لتعزيز نفوذها البحري.
نحو شراكة بحرية متقدمة
لقد أثبتت مناورات “جسر الصداقة-2025” أنها ليست مجرد تمرين عسكري تقليدي، بل هي نموذج متطور لشراكة عسكرية بحرية حديثة، قائمة على الثقة المتبادلة والتفاهم العميق. وقد شكلت المناورات محطة جديدة في مسار التعاون العسكري بين روسيا ومصر، ورسخت أسس التنسيق المشترك في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية، انطلاقًا من رؤية أمنية مشتركة تعزز من استقرار المنطقة، وتحمي مصالح البلدين.
وبينما تتجه الأنظار إلى مستقبل التعاون بين الجانبين، تبرز هذه المناورات كخطوة نوعية تؤسس لتكامل أكبر في السنوات المقبلة، سواء من خلال دورات تدريبية إضافية، أو عبر عمليات مشتركة أوسع نطاقًا في مناطق أخرى، في ظل الحاجة المتزايدة لتأمين البحار والممرات الحيوية.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر