أخبار العالم

“من خيام النزوح إلى خيام فوق الأنقاض: رحلة المعاناة والصمود”

كتبت/ مي عبد المجيد 

بعد أربعة عشر عاماً من الحرب، عاد آلاف النازحين السوريين إلى قراهم المدمّرة، في مشهد يلخّص عمق المأساة الإنسانية التي خلفها الصراع. فمع سقوط نظام بشار الأسد، عاد الأمل لدى كثيرين بإمكانية استعادة حياتهم، لكن الواقع كان أكثر قسوة. فالبيوت تحولت إلى ركام، والبنى التحتية غائبة، في حين يواجه العائدون ظروفاً معيشية صعبة وسط غياب الخدمات الأساسية.

في تقرير ميداني لموقع مهاجر نيوز، توثق الشهادات من الجنوب السوري وإدلب حجم المعاناة، إذ يعيش العائدون في خيام فوق أنقاض منازلهم، ويكافحون لإعادة بناء حياتهم “لبنة لبنة” رغم الفقر وغياب الدعم. وبينما تُبذل بعض الجهود المحلية لتوفير الحد الأدنى من المساعدة، يظل الأمل معلّقاً على تدخلات أكبر لبدء مسار حقيقي لإعادة الإعمار.

يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بظروف العودة إلى سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الموقع ومصادره، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.

 

وفيما يأتي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:

في ظل ظروف سيئة جداً، عاشت آلاف الأسر في مخيمات النازحين بالشمال السوري، على مقربة من الحدود التركية، ومضت سنوات وحالهم لم يتغير، إذ كانوا ينامون في خيام مهترئة لا تقيهم قيظ الصيف ولا برد الشتاء.

لذا، فإن الإطاحة بديكتاتور سوريا، بشار الأسد، بعد مرور 14 عاماً على الحرب في البلد، كان مؤشراً مشجعاً لتلك الأسر التي تعيش في المخيمات، فقد تمنى هؤلاء أن يغادروا المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المناهضة للأسد وأن يعودوا إلى بيوتهم الموجودة في مناطق أخرى من سوريا، ولكن تبين لكثيرين منهم أن بيوتهم وما يحيط بها من بنية تحتية قد أضحت خرائب.

والآن، فإن من عادوا إلى المكان الذي كانوا يعيشون فيه صاروا يواجهون تحديات كثيرة، يأتي على رأسها الناحية المالية، إذ بعد سنوات النزوح، أضحت معظم تلك الأسر تعاني من مشكلات اقتصادية خطيرة.

“كل شيء هنا مدمر”

عادت نديمة البركات، 36 عاماً، إلى قريتها في الجنوب السوري، فانتهت بها الأمور إلى العيش في خيمة نصبتها فوق ركام بيتها المدمر، وعن ذلك تقول: “لعلنا خسرنا بيوتنا لكننا لم نخسر إرادتنا في العيش أو قدرتنا على البقاء”.

ولكن عندما أجالت النظر حولها، لم تتمالك نديمة دموعها، ثم قالت: “كل شيء هنا مدمر، فقد دمرت ممتلكاتنا، وبيوتنا، بل حتى ذكرياتنا”.

وتخبرنا بأنهم لم يكتشفوا بأن بيتهم قد سوي بالأرض إلا بعد عودتهم، وتتابع قائلة: “لا نملك المال حتى نعيد بناءه، فقد قتل زوجي بغارة جوية قبل أربع سنوات، وكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى قرابة الخمسة آلاف دولار”، وهي بالطبع لا تملك هذا المبلغ.

 

التهمت النيران بعض الأبنية والمحال في المنطقة التي تعيش فيها نديمة، في حين استحالت بقية البيوت إلى ركام كما نهبتها الميليشيات التي كانت تتبع لنظام الأسد البائد، ولا توجد في المنطقة البنية التحتية ىالأساسية، لذا، وقبل أن تعود الحياة الطبيعية إلى تلك المنطقة، هنالك الكثير من الأبنية التي لا مفر من إعادة بنائها بحسب رأي نديمة، وتلك الأمور تتصل بشبكات الكهرباء والمياه، فضلاً عن المدارس والمخابز.

سوريون يعيدون بناء بيوتهم بأيديهم

وكل تلك الأمور غير موجودة في الوقت الراهن، كما لا توجد مرافق للصرف الصحي، ولا كهرباء، ولا خدمات صحية، كما لا توجد أي خصوصية في الخيمة، فضلاً عن خطر النار التي يمكن أن تندلع في أي لحظة.

العودة للبناء لبنة.. لبنة

يحس رائد الحسان بتعب شديد، فقد أمضي هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 39 عاماً بعض الوقت وهو يعيد بناء بيت أهله الذي تهدم، حيث أخذ يبنيه لبنة لبنة، ويخبرنا أنه هو وأسرته المؤلفة من ستة أفراد غادروا مخيم حربنوش للنازحين الذي أقيم بالقرب من الحدود التركية، وذلك حتى يعودوا إلى مسقط رأسهم في قرية معر دبسة التي تتبع لمحافظة إدلب.

أخذ هذا الرجل يجمع الركام من حطام بيته، باستخدام أدوات بسيطة، ثم أعاد بناء الجدران، قطعة قطعة، كما استعان بقضبان الحديد التي وجدها في السقف المنهار، ويعترف بأن المواد لم تكن ممتازة، ولكن: “ليس لدينا أي خيار آخر”، ما يعني أن عملية إعادة الإعمار بهذه الطريقة سوف تستغرق وقتاً طويلاً بحسب رأيه، ولهذا أخذ يشتكي ويقول: “إننا بحاجة لحلول سريعة”.

سوريون أعادوا بناء بيوتهم بالطوب في معردبسة

 

وهنالك عائد آخر، اسمه محمد الرسلان، وعمره 45 عاماً، وبالنسبة له، فإن ارتفاع أسعار مواد البناء قد حرمه من أي محاولة حقيقية لإعادة إعمار بيته، ولهذا اكتفى بإصلاحه بشكل مؤقت وذلك حتى تجد عائلته سقفاً يغطي رؤوسهم على الأقل.

المشافي والمدارس كلها مدمرة

يحدثنا الرسلان عن تجربته فيقول: “عندما عدت إلى كفرنبودة (الواقعة شمال غربي حماة) برفقة زوجتي وأولادي الأربعة، اكتشفت بأنه لم يتبق من بيتي سوى جدران متهالكة بلا سقف”.

ولهذا غطى البيت في بداية الأمر بمشمع، وأغلق النوافذ بكتل إسمنتية، ويشرح ذلك بقوله: “نحن السوريين اعتدنا على التكيف مع أصعب الظروف”، وعلى الرغم من وضع البيت، فإن الحياة هنا أفضل من المخيم برأيه، ويعلق على ذلك بالقول: “النظافة معدومة (في المخيمات) ولهذا تنتشر الأمراض”.

يتعين على العائدين معالجة مشكلات كثيرة برأي الرسلان، من بينها ارتفاع أسعار المياه، وعدم توفر الخدمات الأساسية وعلى رأسها القطاع الصحي، كما أن كل المشافي أو المستوصفات القريبة تعرضت للقصف أو النهب بحسب ما وصف لنا، وأضاف أن المروع بالفعل هو المدارس المدمرة، إذ لم تعد هنالك مدرسة يمكن للأهل أن يسجلوا أولادهم للدراسة فيها.

يعلق على ذلك بلال مخزوم، وهو ناشط محلي والناطق الرسمي باسم مدينة معرة النعمان الواقعة على الطريق الواصل بين مدينة حلب والعاصمة دمشق، فيقول: “معظم القرى والمدن الواقعة جنوبي إدلب تعرضت للتدمير وبحاجة لإعادة بناء”، ومع ذلك عاد ما بين 15-20% من الأهالي إلى بيوتهم، وفي حال تحسن الخدمات الأساسية في المستقبل القريب، فإن غيرهم سيتشجعون على العودة بحسب رأيه.

 

لا مدارس في ريف إدلب بوسعها استقبال الأطفال من أجل تعليمهم

المساعدة مطلوبة

يخبرنا مخزوم أنهم يحصون الآن أعداد العائدين، وقد عملت المدينة على توزيع صناديق مساعدات صغيرة على العائدين إضافة إلى الخبز المجاني، وهنالك خطط لإحياء أكثر من 200 بيت مدمر بمساعدة إحدى المؤسسات الخيرية، غير أن المهمات التي يجب أن تنفذ بشكل فوري وقبل غيرها في مدينة معرة النعمان تتمثل بإعادة بناء ما دمر من البيوت وإعادة الخدمات التي تقدمها الدولة للناس، وتعهد مخزوم بإعادة تعبيد الشوارع خلال فترة قريبة، إلى جانب إصلاح أنوار الشوارع وإخلاء الأرصفة من الركام الذي يشغلها.

ويخبرنا مخزوم أن معظم الأهالي الذين عادوا نصبوا لهم خياماً فوق ركام بيوتهم، غير أن هذا الحل كما هو واضح لن يمتد لفترة طويلة برأيه، واختتم حديثه بقوله: “نأمل أن يشارك أكبر عدد ممكن من المنظمات في عملية إعادة الإعمار هنا، لأننا عاجزون عن القيام بذلك بمفردنا”.

المصدر: Info Migrants

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى