تقارير

أول طبيبة جراحة في غزة – سارة السقا: الحياة توقفت لكن الالتزام بإنقاذ الأرواح مستمر

أول طبيبة جراحة في غزة – سارة السقا: الحياة توقفت لكن الالتزام بإنقاذ الأرواح مستمر     

ركضت د. سارة إلى غرفة العمليات وقضت اليوم التالي بأكمله تجري عملية جراحية تلو الأخرى، لتدرك سريعا أن هذا الواقع المروع “ليس مثل أي شيء رأيناه من قبل” كما قالت. وجدت نفسها في خضم “حرب غير مسبوقة” في القطاع اندلعت في أعقاب هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر الإرهابية التي شنتها حماس وجماعت مسلحة أخرى على إسرائيل.

قصة سارة السقا كانت جزءا من فيلم وثائقي تم إعداده بالتعاون بين إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي ومجموعة شنغهاي الإعلامية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة. يسلط هذا الجزء من الفيلم الضوء على الجهود الإنسانية والأزمة في غزة من منظور الدكتورة سارة السقا، التي تعمل مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

سارة السقا أول طبيبة جراحة في غزة تكافح لإنقاذ الأرواح وسط الدمار والبيروقراطية.

مستشفى الشفاء: من ملاذ آمن إلى مقبرة جماعية

عملت سارة وزملاؤها بلا توقف لمدة 36 يوما إلى أن حُوصر مستشفى الشفاء، أكبر مستشفيات قطاع غزة، لأول مرة. وتروي لنا ذلك بالقول:

“في بداية هذه الحرب، شُرد الناس إلى مستشفى الشفاء والمستشفيات الأخرى أيضا. اعتقدوا أنهم سيكونون آمنين إذا جاءوا إلى المكان الذي يعالج المرضى. مكان يحظى بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، لكنهم كانوا مخطئين”.

خلال تلك الفترة، أصبحت سارة مراسلة فعلية للجهود الطبية في غزة، حيث شاركت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تأثيرا كبيرا: “أردتُ أن يشعر الناس بأنفسهم بما يحدث وأن يفعلوا شيئا لإيقافه. ولكن مع مرور الوقت، أصبح الأمر مرهقا نفسيا. بدأت أشعر أن شيئا لا يتغير حقا بغض النظر عن حجم ما أنشره. والأسوأ من ذلك، لاحظت أن الناس يتفاعلون بشكل أقل. وأصبحوا غير مبالين. ولم أستطع الاستمرار في ذلك”.

في آذار/مارس 2024، تعرض مستشفى الشفاء لحصار ثانٍ. قُتل ما لا يقل عن 400 شخص وتُرك المستشفى معطلا تماما عن العمل، وعن ذلك قالت سارة: “انظروا حولنا. نجلس في مكان قام فيه فلسطينيون والدفاع المدني والمسعفون وموظفو وزارة الصحة بحفر مقبرة جماعية خارج هذه الساحة بعد التوغل الإسرائيلي. الفناء الذي كنا نأخذ فترات راحة فيه، الآن لا يمكننا حتى النظر إليه لأننا نفكر في القبور الموجودة هنا، وفي عدد الأشخاص الذين قتلوا ودفنوا”.

فلسطينيون يدفنون موظفي إسعاف قتلتهم القوات الإسرائيلية.

الانتقال من غرفة العمليات إلى التنسيق الأممي

بعدما شُرِّدت قسرا، واصلت سارة السقا عملها الإنساني بالانضمام إلى منظمة أطباء بلا حدود في منصب مديرة النشاط الطبي. وخلال هذه الفترة، حدث تحول في رؤيتها: “بصفتي جراحة، يمكنني إنقاذ بعض الأرواح كل يوم. ربما ثلاث، ربما أربع، أو إجراء عدد من العمليات الجراحية يوميا. ولكن عندما ساعدت في فتح أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية وعندما ساعدت في توسيع سعة أسرّة المستشفى، أدركت أنني أستطيع مساعدة مئات الأرواح يوميا”.

هذا الإدراك قاد سارة إلى قبول العمل مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي يعمل كمركز قيادة لتوجيه استجابة الوكالات الأممية في مجال الإغاثة. لكن سارة وفريقها يواجهون تحديات مريرة، حيث يتم بشكل متزايد منعهم من تنفيذ مهامهم، لدرجة أن التنسيق لإنقاذ عائلة تحت الأنقاض استغرق يوما كاملا بدلا من دقائق معدودة.

شرحت ذلك وهي تحاول تنسيق ذلك عبر هاتفين تحملهما في يديها، تتحدث عبرهما إلى فرق الإغاثة الموجودة في مواقع مختلفة. تقول لزملائها الذين وصلوا إلى المكان أن يبقوا في السيارة حتى تحصل على تأكيدات السماح بنزولهم منها. وتتحدث إلى زميل آخر تطلب منه أن يؤكد لها أن الفريق يمكن أن يتوجه إلى المبنى لبدء مهمته: “منذ الأمس، نحاول التنسيق للوصول إلى أفراد عائلة لا يزالون على قيد الحياة تحت الأنقاض. بالأمس قدمنا تنسيقا تكتيكيا وتم رفضه. قدمنا طلب تنسيق آخر لليوم وتمت الموافقة للتو عليه”.

موافقة تلو الأخرى، استغرقت رحلة كان من المفترض أن تتم في 5 دقائق، أكثر من يوم كامل حتى تكتمل. وعندما تمكن فريق الإنقاذ أخيرا من الوصول، لم يجدوا أي علامات على الحياة. تقول سارة: “لا أتفهم لماذا يتعين علينا أن نطلب الإذن لإنقاذ الأرواح. لا أستطيع فهم ذلك ولا يمكنني قبوله”.

سارة السقا... أول طبيبة جراحة في غزة تكافح لإنقاذ الأرواح وسط الدمار والبيروقراطية.

غزة ليست مجرد أزمة إنسانية، إنها اختبار

تقول سارة السقا إن الوكالات الإنسانية على الأرض تبذل كل ما في وسعها، في كثير من الأحيان في ظل ظروف مستحيلة لكن “الجانب السياسي للأمم المتحدة يفشل”، وتضيف: “لقد خذل مجلس الأمن غزة. غزة ليست مجرد أزمة إنسانية. إنها اختبار. إنها اختبار للأمم المتحدة نفسها. وإذا لم تتمكن من الرد على أكثر انتهاكات القانون الدولي جسامة هنا، فإن أهميتها العالمية في خطر”.

ثم تتابع قائلة: “نشأنا ونحن نستمع إلى جداتنا وأجدادنا وهم يروون قصص النكبة. عندما أُجبروا على الفرار من منازلهم عام 1948، أنشئت الأونروا استجابة لنزوحهم. قامت الوكالة ببناء المدارس والعيادات وأصدرت بطاقات تموينية، وأضفت نظاما إلى الحياة في المنفى. وفي أعماقنا، تمسكنا بفكرة أن يوم العودة هذا قد يأتي، وأن الأمم المتحدة ستساعد في ألا تتأخر العدالة إلى الأبد. ولكن على مر السنين تم اختبار هذا الاعتقاد، وخاصة الآن في غزة”.

سارة السقا (يسار) أول طبيبة جراحة في غزة تكافح لإنقاذ الأرواح وسط الدمار والبيروقراطية

ضياع مستقبل جيل بأكمله

لا تزال سارة ملتزمة بمبادئ الأمم المتحدة ومهمتها، وهي ليست وحدها. عندما بدأت الحرب، كان لدى مكتب أوتشا فريق مكون من أربعة أشخاص فقط على الأرض. رغم كل التحديات، نما هذا الفريق الآن إلى 20 شخصا. وتعمل كل وكالات الأمم المتحدة على الأرض في غزة، رغم كل التحديات، بعزم على مواصلة تقديم المساعدات المنقذة للحياة والدعم اللازم لبناء حياة سكان غزة مرة أخرى.

حطمت الحرب في غزة أحلام الكثيرين من أهل القطاع، وغيرت حياتهم إلى الأبد. وتحذر سارة السقا من ضياع جيل بأكلمه: “أعرف أشخاصا كانوا على بعد أيام من السفر إلى وظيفتهم الجديدة أو لمواصلة تعليمهم، أو للزواج. كل شيء بنيناه، كل ما كنا نأمله، كل ما كنا نحلم به، قد انتزع منا. لذا نعم، تعطلت حياتي. لكن ما حدث، ما يحدث هنا، هو انهيار مستقبل جيل بأكمله. لذلك ما زلنا نعمل، وما زلنا ندفع أنفسنا لمواصلة المحاولة كل يوم حتى يتوقف هذا الجنون”.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مصدر المعلومات والصور : un

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى