الرئيس الكازاخي يدعو إلى نهج متأنٍ وشامل في تنفيذ الإصلاحات البرلمانية التاريخية

بقلم: د. عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد
أستانا – في خطوة من شأنها إعادة رسم ملامح المشهد السياسي في كازاخستان، وضع الرئيس قاسم جومارت توكاييف الإصلاح البرلماني في صدارة أجندة التحديث الوطني، واصفًا إياه بأنه مبادرة “تاريخية ومعقدة” ستُسهم في تشكيل مسار التطور الديمقراطي لكازاخستان لعقود قادمة، داعيًا إلى حوار وطني واسع، ومهنية عالية، ووحدة وطنية خلال تنفيذها.
وهنا يمكن القول بأن الإصلاح البرلماني يمثل أكثر من مجرد تعديل مؤسسي، فهو يعبر عن رغبة كازاخستان في بناء نظام سياسي حديث وفعّال يستجيب لمتطلبات القرن الحادي والعشرين. ومن خلال الدمج بين الكفاءة المؤسسية، والتحول الرقمي، والمشاركة المجتمعية، يسعى الرئيس توقاييف إلى ترسيخ دولة أكثر استقرارًا وشفافية وثقة بين الحكومة والمجتمع.
ومن جانبه أكد توكاييف أن مبادرة الإصلاح البرلماني لا تمثل مجرد تعديل هيكلي، بل تجسد طموح كازاخستان في صقل هويتها السياسية في القرن الحادي والعشرين. ومن خلال الدمج بين تحديث المؤسسات، والابتكار التكنولوجي، والمشاركة الشعبية، يسعى الرئيس إلى بناء دولة أكثر كفاءة واستجابة وتقدماً، تقوم على التوازن بين الحكم وثقة المواطنين.
الاجتماع الأول
افتتح الرئيس أول اجتماع لمجموعة العمل المعنية بالإصلاح البرلماني، مؤكدًا أن هذه المبادرة – التي أعلن عنها لأول مرة في خطابه إلى الأمة في سبتمبر الماضي – تمثل “إحدى أكثر مراحل التحول السياسي في البلاد أهمية وصعوبة”، بحسب بيان الرئاسة الكازاخستانية (أكوردا)، وقال توكاييف: “إن الإصلاح البرلماني مهمة بالغة الأهمية والتعقيد، تؤثر بشكل مباشر في مستقبل دولتنا ومصير شعبنا“.
وأوضح أن النظام الرئاسي سيظل الركيزة الأساسية للحكم، فيما يتماشى الانتقال المخطط له إلى برلمان أحادي المجلس مع المنطق السياسي الداخلي والمعايير الدولية، إذ تعتمد نحو ثلثي دول العالم أنظمة برلمانية مماثلة.
وحذّر الرئيس من التسرع في اتخاذ القرارات، مشيرًا إلى أن تنفيذ الإصلاح يتطلب تعديل نحو 40 مادة من الدستور وتحديث أكثر من 60 قانونًا وتشريعًا، واصفًا ذلك بأنه “عملية تضاهي في حجمها اعتماد دستور جديد“.
ودعا توكاييف إلى نقاش وطني شامل وشفاف يشارك فيه ممثلو البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني لضمان أن يعكس الإصلاح إرادة الشعب.
وشدد على أن الإصلاح يجب أن يكون تدريجيًا لا ثوريًا، قائمًا على قيم الأمة وواقعها الاجتماعي، موضحًا أنه لا يقتصر على حلّ مجلس الشيوخ، بل يهدف إلى إعادة تصور المؤسسة التشريعية بأكملها لتلبية متطلبات العصر الحديث.
كما أبرز الرئيس أهمية التكنولوجيا، معلنًا عن خطط لإنشاء “البرلمان الإلكتروني” (e-Parliament)، وهو منصة رقمية تهدف إلى جعل عملية التشريع أكثر شفافية وفاعلية ومشاركة. وأكد أن التحول الرقمي سيُسهم في تمكين المواطنين من التفاعل المباشر مع العملية التشريعية.
وأكد توكاييف أن كفاءة النواب ومهنيتهم ستكون العنصر الحاسم في نجاح الإصلاح. ومن خلال تشكيل البرلمان على أساس القوائم الحزبية، ستتمكن كازاخستان من ضمان تمثيل مؤهل وكفء، حيث تسود المسؤولية والخبرة على الشعبوية.
وفي ختام كلمته، دعا الرئيس أعضاء مجموعة العمل – التي تضم ممثلين عن البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية والخبراء القانونيين والشخصيات العامة – إلى أداء مهامهم بأقصى درجات الالتزام والمهنية.
وقال: “يجب دراسة كل اقتراح يُقدَّم عبر منصتي e-Otinish وe-Gov بعناية. فبوصفنا دولة عادلة وحديثة، علينا أن نصغي إلى كل مواطن يسهم في ازدهار الوطن“.
مراقبون ومحللون
ويرى مراقبون ومحللون أن، اقترح توكاييف إجراء استفتاء وطني في عام 2027 للموافقة رسميًا على الانتقال إلى البرلمان أحادي المجلس، ووصف موقع يورونيوز بأنها خطوة تعد من أكبر التحولات الدستورية في تاريخ كازاخستان الحديث.
وفي الوقت نفسه أشار محللون من موقع Orda.kz إلى أن النظام الجديد سيعتمد كليًا على التمثيل النسبي عبر القوائم الحزبية، ما يعني التخلي عن النظام المختلط الحالي الذي يتيح وجود دوائر فردية، وهو ما قد يعزز دور الأحزاب السياسية لكنه يحدّ من فرص المرشحين المستقلين.
ويرى خبراء تحدثوا إلى Tengrinews أن إلغاء مجلس الشيوخ يثير تساؤلات حول تمثيل المناطق، إذ كان المجلس الأعلى تقليديًا يحمي مصالح الأقاليم الكازاخية المتنوعة. ويحذر بعض المحللين من أن البرلمان أحادي المجلس قد يقلل من آليات الرقابة والتوازن، بينما يرى آخرون أنه سيجعل عملية اتخاذ القرار أكثر سرعة وفاعلية.
وفي المقابل، يؤكد مؤيدو الإصلاح على أبعاده الرقمية والمجتمعية. إذ من المتوقع أن يحدث مشروع “البرلمان الإلكتروني” تحولًا نوعيًا في عملية التشريع باستخدام الذكاء الاصطناعي ومشاركة المواطنين في الوقت الفعلي، بما يعزز الشفافية والمساءلة والانفتاح.
ووصف الباحث السياسي سيريك أبيشيف هذه المبادرة بأنها “خطوة جريئة لكنها منطقية في مسار تحديث كازاخستان”، مشيرًا إلى أنها تعكس رؤية الرئيس توقاييف بعيدة المدى لتكييف مؤسسات الدولة مع اتجاهات الحكم الحديثة عالميًا.
وبحسب مركز الدراسات الأوراسية (AVIM)، سيؤثر الإصلاح البرلماني على نحو 40 مادة دستورية ويتطلب تعديل أكثر من 60 قانونًا، ما يجعله من أوسع الإصلاحات التشريعية في تاريخ البلاد.