أخبار العالم

“فورين بوليسي”: اتفاق غزة نجاح لنهج ودبلوماسية ترامب وأسلوبه الصاخب

فكرت في مجلة "السياسة الخارجية" اتفاق غزة الذي أنهى عامين من الحرب بين إسرائيل والحركة "التحريض" إنه انتصار سياسي لافت للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وضع نفسه على واجهة أحد أكثر الصراعات دموية في العالم، ونجح في انتزاع وقف إطلاق النار وسط لحظة من عدم اليقين الجيوسياسي.

 

ورغم أن أسلوبه الصاخب -بحسب المجلة الأميركية- يثير استغراب وسخرية بين الدبلوماسيين التقليديين، فإن الاتفاق يكشف الفاعلية المذهلة لدبلوماسيته القائمة على الجرأة والشخصية الساحقة، مما يشير إلى أن ترامب يدرك أن السياسة هي في جوهرها عرض مسرحي. وفي ولايته الثانية، وبعد أن تحرر من تأثير المستشارين الحذرين، حول الدبلوماسية إلى ما يشبه… "برنامج واقعي" يتم بثه مباشرة من المكتب البيضاوي، وهو يسمح للجمهور بمشاهدة الاجتماعات العفوية والخطب المرتجلة ومشاركاته الفورية في مدونته على المنصة. "الحقيقة الاجتماعية". كما يلعب في هذا العرض دور البطل والمخرج وكاتب السيناريو في نفس الوقت، ويقدم نسخة مبالغ فيها من نفسه أمام جمهور يجد متعة في متابعته.

 

إلا أن المجلة ترى أن هذا الأسلوب الارتجالي ينطوي على مخاطرة كبيرة. ولم تحقق زيارته المفاجئة إلى ألاسكا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس/آب الماضي أي شيء يذكر. ومع ذلك، ينبغي لخبراء السياسة الخارجية أن يدرسوا بعناية نهجه؛ في عصر أصبح فيه جذب الاهتمام أكثر أهمية من أي شيء آخر، أثبت ترامب أن الاستيلاء على العناوين الرئيسية وخلق مشهد يمكن أن يكون أدوات فعالة للتأثير.

 

وأشارت المجلة إلى أن هذا الأسلوب نفسه مكن ترامب من تحقيق اختراق في ملف غزة، وهو الإنجاز الذي عجزت الإدارة السابقة للرئيس الأمريكي جو بايدن عن تحقيقه. شعرت بهذا الضعف "التحريض" في تلك اللحظة، لعب دوراً في نجاح الاتفاق، لكن العامل الحاسم كان العرض القسري المدروس لترامب. وفي 29 سبتمبر/أيلول، أعلن ترامب من البيت الأبيض خطة سلام مكونة من عشرين بنداً، واصفاً اليوم بأنه “… "قد يكون أحد أعظم أيام الحضارة الإنسانية".

 

لقد كانت بالفعل مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة أن الطرفين لم يتفقا بعد على تفاصيلها. لكن ترامب، بحسب المجلة، لا يخشى رفع التوقعات؛ جرأته على المخاطرة علناً تمنحه مرونة نادرة في حال الفشل، إذ اعتاد جمهوره على المبالغة، ولا يحاسبونه محاسبة صارمة في حال فشل.

 

وفي اليوم نفسه، اتخذ ترامب خطوة غير مسبوقة عندما أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاتصال بنظيره القطري من المكتب البيضاوي للاعتذار عن غارة إسرائيلية سابقة. وكان هذا السلوك صادما تجاه حليف مقرب، لكنه بعث برسالة واضحة: واشنطن لن تتسامح مع أي محاولة إسرائيلية للتهرب من التزاماتها، الأمر الذي ساعد في تخفيف الانتقادات بأن اتفاق غزة منحاز لإسرائيل.

 

لقد رسمت "السياسة الخارجية" حتى لم يكتف ترامب بذلك، بل ربط مصيره السياسي بالاتفاق بإعلانه توليه الرئاسة "مجلس السلام في غزة"وفي محاولة لحماية الاتفاق من الانهيار المبكر بعد تبادل الأسرى والمعتقلين. ومع ذلك، يشكك الكثيرون في قدرته على الحفاظ على اهتمامه خلال المراحل اللاحقة من إعادة إعمار غزة والتسوية النهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولعل الأمل الوحيد لاستمرار اهتمامه يكمن في طموحه الجامح للفوز بجائزة نوبل للسلام، والتي لن يحصل عليها إلا إذا كسر الاتفاق عقوداً سابقة من الجمود.

 

وأشارت إلى أن هذا الاتفاق ليس المثال الوحيد "ذكاء" ترامب للشؤون الخارجية. وقد أعلن مؤخرا ما أسماه "يوم التحرير" وبفرض رسوم جمركية واسعة، بدا في البداية عرضا فاشلا، قبل أن يتحول إلى مكسب مفاجئ بعد أن حصل على امتيازات من أوروبا، وانتعشت الأسواق، وبدأ رجال الأعمال يهدأون. ورغم أن سياساته التجارية لا تعتبر نجاحا خالصا، إلا أنها تناقضت مع التوقعات التي أشارت إلى فشلها الكامل، حيث أعادت قدرة الولايات المتحدة على فرض شروط جديدة في النظام التجاري العالمي.

 

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل العيوب في نهج ترامب الخارجي. فقد قوضت الأدوات التقليدية للنفوذ الأميركي، مثل المساعدات الخارجية ووسائل الإعلام الدولية، وعمقت الانقسام الداخلي من خلال تسييس المؤسسة العسكرية وإنكار تغير المناخ، وأربكت الحلفاء بتقلباته.

وأكدت ما إذا كان نهج ترامب جديدا "السياسة الخارجية" لقد كان دائما كذلك "دراما" لقد كانت المراجعات جزءاً من أدوات الدبلوماسية الأميركية منذ بداية القرن العشرين.

وبينما يتجنب الرؤساء الديمقراطيون الأميركيون عادة هذا النوع من الاستعراض ويختارون الدبلوماسية الهادئة، يرى الجمهوريون، وآخرهم ترامب وأنصاره، أن نهج الديمقراطيين ترك فراغا فيما يتعلق بالصورة الذهنية للقوة الأميركية، التي تعتبر مهمة للحفاظ على صورة معينة دائمة للقوة العظمى الأولى في العالم.

وترى المجلة أنه بينما تنفر نرجسية ترامب وسلطويته الحلفاء، فإنها في الوقت نفسه تجتذبهم. وقد شهدنا اندفاع الزعماء الأوروبيين إلى البيت الأبيض بعد قمة ترامب مع بوتين، وتحول اللقاء مع هؤلاء القادة من محاولة التوبيخ إلى مشهد الوحدة. لذلك، مبدأها على أساس "زيفها حتى تصنعها" وقد يكون أكثر تأثيراً من تواضع أسلافه.

لذلك، فإن رئاسة ترامب هي بمثابة تذكير بأن السياسة الخارجية لا تقتصر على المحتوى، بل أيضا على الأسلوب. لقد أصبح السرد والدراما وبناء المشهد عناصر لا غنى عنها لإيصال الرسائل في زمن مليء بالضجيج والتنافس الإعلامي. وكما تطورت أدوات الإعلان والتسويق بحيث أصبحت تعتمد على القصة والعاطفة، فإن الدبلوماسية الحديثة يجب أن تفعل الشيء نفسه.

ووفقا للمجلة، ففي حين أن معارضي ترامب قد يرون في هذا الأسلوب الأناني انعكاسا للنزعات الاستبدادية، فإن تجاهله سيكون خطأ.

ويؤكد الواقع أن ترامب، رغم تناقضاته، أثبت أن فن المسرح السياسي قد يكون في بعض الأحيان أقوى من بلاغة الدبلوماسية الهادئة.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى