عندما تكون الحياة ثمنا للحقيقة في غزة”: ندوة أممية تكشف واقع “أخطر بيئة إعلامية في العالم

“عندما تكون الحياة ثمنا للحقيقة في غزة”: ندوة أممية تكشف واقع “أخطر بيئة إعلامية في العالم”
الندوة التي نظمتها إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي عقدت تحت عنوان: “كسر الحواجز: مواجهة مخاطر وتعقيدات التغطية الإعلامية من غزة والضفة الغربية”. وسلطت الضوء على واقع التغطية الصحفية في واحدة من أكثر بيئات العمل خطورة وتعقيدا في العالم.
واستمع الحضور إلى شهادات من صحفيين فلسطينيين وإسرائيليين ومسؤولين معنيين بحماية الصحفيين.
وائل الدحدوح: “تجربة لا مثيل لها في العالم”
في رسالة مسجلة بثت في افتتاح الندوة، تناول الصحفي الفلسطيني المخضرم وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة التحديات غير المسبوقة التي يواجهها الصحفيون في غزة، والتي وصفها بأنها “تجربة لا مثيل لها في العالم”، مبينا أن الصحفيين في غزة ينقلون أخبار حربٍ تُحاصر عائلاتهم ومنازلهم ومجتمعاتهم.
عندما اندلعت الحرب الأخيرة، يقول الدحدوح إن إسرائيل أغلقت القطاع، ومنعت الصحفيين الأجانب من الدخول، وقطعت الكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت. في ظل هذه العزلة التامة، نزح الملايين تحت وطأة قصفٍ متواصل. وأوضح الدحدوح أنه لم يتبقَّ للصحفيين سوى خيار واحد: مواصلة العمل رغم علمهم بأن كل خطوة قد تُكلفهم حياتهم.
وقال إن الصحفيين الفلسطينيين حملوا في أنفسهم شعورا عميقا بالمسؤولية، مُدركين أنه “إذا لم نُؤدِّ واجبنا – حتى لو كلَّفنا ذلك حياتنا – فلن يرى العالم ما يحدث لمليوني إنسان”.
وسلّط الدحدوح الضوء على الخسائر الفادحة التي تمثلت في مقتل 256 صحفيا، وتدمير عائلات لا تُحصى، ونزوح مستمر. وحثّ العالم على عدم افتراض انتهاء “الإبادة الجماعية”، داعيا إلى عمل موحّد لمحاسبة الجناة لمنع وقوع جرائم مستقبلية عالميا.
واختتم الصحفي الفلسطيني كلمته بمناشدة من أجل عالم قائم على السلام والأمن والاستقرار وحرية الصحافة.
الصحافة من أجل السلام
وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي ميليسا فليمينغ (في المنتصف) تتحدث في افتتاح الندوة الإعلامية السنوية حول السلام في الشرق الأوسط
وكيلة الأمين العام للتواصل العالمي ميليسا فليمنج استهلت كلمتها الافتتاحية بالقول إن موضوع الندوة يغطي العديد من الموضوعات المهمة، ولكنه يتحدث قبل كل شيء عن شجاعة وصمود من يعملون على قول الحقيقة حتى في أصعب الظروف.
وأضافت: “اليوم نجتمع ليس فقط لمراقبة المخاطر التي يواجهها العاملون في وسائل الإعلام، ولكن لفحص كيف يمكن لسرد القصص المعلوماتية والصحافة المسؤولة أن تساهم في السعي الأوسع نطاقا لتحقيق السلام”.
ثم بعد ذلك قرأت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الفعالية والتي أكد فيها أن حوار اليوم يكتسب أهمية مأساوية، مشيرا إلى أن الصحفيين في غزة يواجهون المخاطر والوقائع ذاتها التي يواجهها الأشخاص الذين يغطون أخبارهم – بما في ذلك النزوح والمجاعة والموت.
منذ الهجمات المروعة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل أكثر من 260 عاملا إعلاميا هناك، مما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود.
وأضاف: “قواعد الحرب واضحة: المدنيون والبنية التحتية المدنية ليسوا هدفا. يجب أن يتمكن الصحفيون من أداء عملهم الأساسي دون تدخل أو تخويف أو ضرر. ويشمل ذلك الحظر غير المقبول الذي يمنع الصحفيين الدوليين من الوصول إلى غزة”.
“تدمير 250 مؤسسة إعلامية”
ناصر أبو بكر رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين قدم أيضا كلمة مسجلة عبر الفيديو أدان فيها ما وصفه بـ “أبشع مجزرة في تاريخ البشرية” بحق الصحفيين الفلسطينيين منذ 7 تشرين/ الأول أكتوبر 2023.
كما اتهم إسرائيل بتدمير أكثر من 250 مؤسسة إعلامية، قال إنها تُشكل البنية التحتية الإعلامية الكاملة في غزة. وقال إن الاستهداف امتد ليطال عائلات الصحفيين، حيث قُتل أكثر من 650 من أقاربهم. ووصف ما تعرض له الصحفيون الفلسطينيون بأنه “أول حرب إبادة إعلامية”.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق للنظر في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين وتقديم تقارير دورية عن سلامتهم.
صوت إعلامي ثنائي القومية يدعو لحماية الصحافة
ألقى السيد حجاي مطر المدير التنفيذي لمجلة +972، رسالة مسجلة عبر الفيديو سلط فيها الضوء على التحديات غير المسبوقة التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون والإسرائيليون أثناء تغطيتهم الميدانية.
وأوضح أن +972 – وبصفتها المنظمة الإعلامية المستقلة ثنائية القومية الوحيدة العاملة في إسرائيل وفلسطين – شهدت “الدمار الشامل في غزة والاستهداف الممنهج للصحفيين من قبل القوات الإسرائيلية”.
وأكد مطر أنه بينما يواجه الصحفيون الفلسطينيون وطأة العنف – القتل والاعتقالات والضرب ومصادرة المعدات – مُنع الصحفيون الإسرائيليون والدوليون من دخول غزة لمدة عامين، مما ترك للصحفيين الفلسطينيين وحدهم توثيق الصراع، وفي الوقت نفسه، تم نزع الشرعية عنهم واتهامهم بالانتماء إلى حماس.
وقال مطر إن معظم وسائل الإعلام الرئيسية في إسرائيل تجاهلت الدمار في غزة، مما دفع قناة +972 ومنصتها الشقيقة “لوكال كول” إلى مكافحة المعلومات المضللة وتوفير تقارير دقيقة باللغتين الإنجليزية والعبرية. وحثّ مطر المجتمع الدولي على حماية الصحفيين الذين يعملون في ظروف تُهدد حياتهم.
جهود جمعية الصحافة الأجنبية في إسرائيل
تانيا كريمر، مراسلة وكالة دويتشه فيله والرئيسة الحالية لجمعية الصحافة الأجنبية في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة وجهت كلمةً مسجلة شرحت فيها جهود الجمعية لضمان وصول مستقل لوسائل الإعلام الدولية إلى غزة.
على الرغم من وقف إطلاق النار الهش، صرّحت كريمر بأن إسرائيل منعت الصحفيين الأجانب من دخول غزة بشكل مستقل لأكثر من عامين، مما “فرض قيودا غير مسبوقة على وسائل الإعلام الدولية، وهدّد بخلق بيئة قاتلة للصحفيين الفلسطينيين”.
وقد اتخذت جمعية الصحافة الأجنبية إجراءات قانونية، وقدمت التماسين إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، لكن المحكمة منحت الحكومة مرارا وتكرارا مهلة، تاركة الصحفيين “لا يعلمون متى أو حتى إن كانوا” سيُسمح لهم بالعودة.
وأكدت كريمر أن هذا الاعتماد على التقارير غير المباشرة، وروايات الشهود، لا يُغني عن التغطية المباشرة. وأشادت بالعمل الجبار والشجاع الذي يقوم به الزملاء الفلسطينيون، الذين يُغطون الأحداث رغم الظروف الصعبة، والمعدات المعطلة، والتهديد المستمر بالاستهداف.
قتل الإعلاميين يمحو “الذاكرة الثقافية” ويضعف فهم الواقع الفلسطيني
أما ابتسام عازم كبيرة مراسلي صحيفة العربي الجديد في الأمم المتحدة بنيويورك فقالت إن الخسائر في صفوف الصحفيين الفلسطينيين تمحو المعرفة المتراكمة، وتعطل الذاكرة الثقافية والتاريخية، وتضعف الفهم العالمي للواقع الفلسطيني. كما أن استهداف الصحفيين، حسبما قالت، يقوض القانون الدولي وتحقيقات الأمم المتحدة وحفظ الوثائق المباشرة.
وبعيدا عن غزة، قالت عازم إن الأصوات الفلسطينية غالبا ما يتم تهميشها في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. وقالت إن الباحثين يصفون نمطا من التحيز، حيث تُقلّل المعاناة الفلسطينية، ويُحذف السياق، ويتم تجنب المصطلحات القانونية مثل “الاحتلال” أو “الإبادة الجماعية”.
وأكدت ابتسام عازم أن حماية الصحفيين الفلسطينيين تعني حماية الصحافة في كل مكان. فالتصريحات القوية لا تكفي دون تطبيق، حسبما قالت، داعية الأمم المتحدة والدول الأعضاء إلى ضرورة فرض المساءلة، وضمان الوصول والحماية، وإسماع أصوات الميدان، والالتزام بالمعايير الدولية المتسقة.
وشددت أيضا على ضرورة أن يرتبط دعم حرية الصحافة بحماية أوسع لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرية الأكاديمية والمجتمع المدني.
ما المطلوب من المجتمع الدولي؟
جودي جينسبيرج الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين أكدت أنه على الرغم من القرارات القائمة والقانون الدولي الإنساني، لا يزال الصحفيون في غزة يواجهون مخاطر متزايدة، مسلطة الضوء على ثلاثة احتياجات ملحة.
أولا، الحماية: يجب أن يحصل الصحفيون الفلسطينيون على نفس الحماية الممنوحة للمدنيين والعاملين في مجال الإعلام بموجب القانون الدولي، مع تحمّل عواقب الانتهاكات.
ثانيا، الوصول: إن رفض إسرائيل السماح لوسائل الإعلام الدولية المستقلة بدخول غزة أمر غير مسبوق، والوصول غير المقيد ضروري لضمان دقة التقارير ودعم الصحفيين الفلسطينيين.
ثالثا، المساءلة: مع مقتل أكثر من 200 صحفي ووجود أدلة على الاستهداف المتعمد، تُعد التحقيقات المستقلة أمرا بالغ الأهمية لإنهاء الإفلات من العقاب ومنع مزيد من الانتهاكات.
دعوة لعقد مؤتمر دولي معني بالصحفيين الفلسطينيين
رياض منصور المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة استهل كلمته بشكر إدارة التواصل العالمي التابعة للأمم المتحدة على جهودها في رفع مستوى الوعي وتدريب الصحفيين الفلسطينيين.
وأدان الهجمات الإسرائيلية على الإعلاميين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن الهجمات تتزايد لأن “عدو إسرائيل الرئيسي هو الحقيقة”. وسلط الضوء على قضيتي شيرين أبو عاقلة وياسر مرتجى، اللذين قال إن قَتْلَهما مر دون عقاب، مما يؤكد غياب المساءلة.
وقدم السفير الفلسطيني اقتراحا دعا فيه إلى تشكيل لجنة من الصحفيين المرموقين عالميا لتنظيم مؤتمر دولي كبير في الأمم المتحدة. من شأن هذا المؤتمر تكريم زملائهم الفلسطينيين، ورفع مستوى النقاش حول الفظائع المرتكبة ضدهم إلى أعلى مستوى، وضمان ألا يُنظر إلى مصير الصحفيين الفلسطينيين على أنه “أمر غير مهم”، بل باعتباره لحظة فارقة في مسيرة الصحافة العالمية.
لمن فاتتهم متابعة البث الحي للندوة، يمكنهم مشاهدتها على موقع البث الشبكي للأمم المتحدة، مع توفر ترجمة فورية إلى اللغة العربية.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : un




