علامات تامة في طرطوس واللاذقية.. بتدخل مباشر من الأمن السياسي

يخشى عبد الحكيم المحمود أن لا تؤهله درجاته الكلية لدراسة الهندسة الزراعية، لأن معدلات القبول في الجامعات ارتفعت نسبياً في السنوات الأخيرة، وأصبحت الجامعات الخاصة حكراً على فئة محدودة جداً في سورية بعد أن وصلت رسوم التسجيل إلى ملايين الليرات السورية، وهو ما لا يتناسب إطلاقاً مع متوسط دخل الفرد الذي يعتبر الأدنى عالمياً تقريباً.
لكن شعور عبد الحكيم بالاستياء تضاعف حين علم بتفوق صديقه عادل مرهج على علاماته بعلامات كثيرة، يقول عبد الحكيم: “درست أنا وصديقي عادل معاً في مدرسة الحسن بن الهيثم في حي الميدان بدمشق منذ المرحلة الابتدائية، وتقاسمنا المقعد نفسه حتى الثانوية في مدرسة فايز منصور، لكن عادل انتقل في الفصل الثاني من هذا العام إلى طرطوس، وكانت المرة الأولى التي يتفوق فيها عادل علي بعلامات كثيرة، وأنا من يعرف إمكانياته الدراسية”.
وأضاف عبد الحكيم “أنا بالتأكيد لا أعترض على المعدل المرتفع الذي حققه عادل، ولكنني أعرف مستواه جيداً ومن خلاله أستطيع أن أدرك حجم التراخي الذي يحصل في بعض المراكز الامتحانية، والذي يتم الحديث عنه في وسائل النقل وفي كل مكان، ولكن الوزارة تغض الطرف عنه لأسباب لا نعلم ما هي”.
يقول أياد حجازي مدرس الرياضيات في حمص: “أصبحت اللاذقية وطرطوس مقصداً للطلاب المحاباة لتقديم شهاداتهم الثانوية، حيث لا يسمح لأي طالب بالانتقال خلال العام الدراسي في مرحلة الشهادة الأساسية من مكان إقامته إلى مدينة أخرى، إلا أن بعض أبناء الضباط ينتقلون إليها باستثناء وزير التربية حصراً للحصول على النجاح أو الحصول على درجات عالية، لأن تسريب الأسئلة منتشر بشكل كبير في هاتين المحافظتين، ولكل شيء ثمن”.
وأضاف حجازي: “في العام الدراسي الماضي، حصل ثمانية طلاب من إحدى ثانويات اللاذقية على العلامة الكاملة في القسم العلمي، وكانت فضيحة كبيرة، فمن بين 20 طالباً على مستوى الجمهورية، حصل نحو 14 طالباً من طرطوس واللاذقية على العلامة الكاملة، وكانت وزارة التربية آنذاك تنوي فتح تحقيق رسمي مع الثانويات المعنية بشأن حالات غش سافرة ووجود أوراق إجابات معدة مسبقاً، كما أشيع بين الطلاب، وبحضور شهود عيان، ولكن لسبب ما لم يتم فتح أي تحقيق!”.
وتكررت الحادثة هذا العام، ولكن في الصف التاسع، حيث حصل خمسة طلاب من مدرسة واحدة في طرطوس على العلامة الكاملة.
علامات كاملة
وتساءل أحد المعلمين عن غرابة العلامة الكاملة التي حصلت عليها طرطوس في مرحلة التعليم الأساسي بـ12 طالباً، بينما في دمشق التي يبلغ عدد طلابها عشرة أضعاف عدد طلاب طرطوس لم يحصل على العلامة الكاملة إلا طالبان.
أصدرت وزارة التربية والتعليم، يوم 22 يوليو/تموز الماضي، نتائج امتحانات شهادة التعليم الأساسي (الإعدادية) لدورة العام الحالي، حيث انخفضت نسب النجاح من 77.11% العام الماضي إلى 66.07% هذا العام.
زين -اسم وهمي- طالب في ثانوية منذر حسن علي باللاذقية، حصل على درجات أهلته لدراسة الهندسة في تخصصات مختلفة، يقول: “كنت محظوظاً جداً لأن ابن أحد ضباط فرع الأمن السياسي باللاذقية كان معنا في نفس القاعة، وكانت الحلول تصل إليه في منتصف وقت الامتحان عبر رجلين مسلحين بلباس مدني، وهذا الطالب أتاح للجميع الاستفادة، ولكن بالإجابة على سؤال أو سؤالين فقط، لا أكثر، ونصحنا أنه إذا تحدث أحدنا عن التجاوز الذي حصل، فإن الجميع سيتورط”.
وقال زين لموقع تلفزيون سوريا: “في الحقيقة لن أسجل في أي فرع من فروع الهندسة لأنني أعرف قدراتي جيداً ولن أستطيع الاستمرار في دراسة الهندسة، لذلك سأدرس أي فرع أدبي أو مكتبات أو آثار ومتاحف أو معهد تركيبات أسنان”.
حتى صدور نتائج الدور الأول من القبول الجامعي، سيبقى عبد الحكيم قلقاً، لأنه وعد والدته بتحقيق حلمها ودراسة فرع يمكنه من إعادة فتح صيدلية والده الزراعية، الذي توفي بعد اختطافه عام 2019.
ويختم أستاذ الرياضيات حديثه قائلاً: “المفارقة أن العلامات الكاملة هي فقط في محافظتي طرطوس واللاذقية، وحتى في بقية المحافظات فهي غالباً لأبناء الضباط من هاتين المدينتين الذين انتقلوا بسبب عملهم إلى دمشق أو إلى محافظة أخرى، وكل هذا يحدث في وقت تعيش فيه البلاد أسوأ عصورها الحديثة، فلا كهرباء ولا خدمات، وفقر مدقع، وهجرة للكوادر التعليمية”.
نصف الأطفال السوريين خارج المدرسة
وتقدم أكثر من 558 ألف طالب وطالبة لامتحانات الشهادة العامة هذا العام في المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بحسب مكتب رئيس الوزراء.
ولا تشمل هذه الأرقام الطلاب والتلاميذ الذين يلتحقون بمؤسسات تعليمية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، في شمال غرب وشمال شرق سوريا.
ويظل ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 5.5 مليون طفل (حوالي 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً) خارج المدرسة، وفقاً لأرقام صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
أعطى وزير التربية الأسبق دارم الطباع صورة عن الواقع التعليمي في سورية من خلال عدة إحصائيات، في تموز 2023، ومنها أنه من إجمالي 22 ألف مدرسة عاملة قبل عام 2010، هناك 14 ألف مدرسة عاملة، تضرر عدد منها أيضاً بسبب كارثة الزلزال في شباط 2023، وأن ميزانية التعليم قبل عام 2010 بلغت 14%، بينما وصلت حالياً إلى 4% أو 4.5% من الموازنة العامة.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر