تقارير

تصاعد الهجمات المسلحة في بوركينا فاسو في مايو 2025 وتداعياتها الأمنية والسياسية

كتبت: فاطمة إسماعيل

تعيش بوركينا فاسو واحدة من أسوأ فتراتها الأمنية منذ بدء التمرد المسلح عام 2015. فقد شهد شهر مايو 2025 تصعيدًا كبيرًا في الهجمات المسلحة التي تقودها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية ومدنية في أنحاء متفرقة من البلاد. هذه الهجمات، التي جاءت في أعقاب زيارة الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري إلى موسكو، تُنذر بمزيد من التدهور الأمني والانقسامات الداخلية، وتضع البلاد أمام مفترق طرق حاسم.

أولًا: خلفية الصراع الأمني في بوركينا فاسو

تواجه بوركينا فاسو منذ نحو عقد تمردًا متصاعدًا تقوده جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، أدّى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح أكثر من مليوني شخص. وقد ازدادت وتيرة العنف بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 2022، والذي أوصل النقيب إبراهيم تراوري إلى الحكم تحت شعار “استعادة الأمن”.

رغم تعهد الحكومة الانتقالية بالقضاء على الإرهاب، إلا أن الأوضاع على الأرض لا تزال تتدهور، مع اتساع رقعة العمليات المسلحة لتشمل أكثر من 60% من الأراضي، بحسب تقارير دولية.

الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري
الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري

ثانيًا: الهجوم على ثكنة جيبو وتصاعد التنسيق الميداني للجماعات المسلحة

الهجوم على ثكنة الجيش في مدينة جيبو – 12 مايو 2025

شن مقاتلو جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” فجر الأحد 12 مايو 2025، هجومًا عنيفًا على ثكنة للجيش البوركينابي في مدينة جيبو شمال البلاد.
وبحسب إذاعة فرنسا الدولية، بدأ الهجوم في حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحًا واستمر طوال اليوم تقريبًا، حتى تمكّن المسلحون من السيطرة الكاملة على الثكنة، حيث قاموا بنهبها وتخريبها بالكامل.

أسفر الهجوم عن سقوط عشرات القتلى من الجنود والمدنيين، إلى جانب أعمال نهب واسعة لمحال تجارية في المدينة.

وقد جاء الهجوم بعد ساعات فقط من عودة الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري من موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة رسمية تناولت سبل دعم التعاون العسكري بين البلدين.
هذا التزامن أثار تحليلات حول احتمال وجود بُعد سياسي أو رمزي للهجوم، ومحاولة الجماعات المسلحة توجيه رسائل ضد الدعم الروسي المحتمل.

ثالثًا: هجمات متزامنة في مناطق متعددة

الهجوم على جيبو لم يكن منفردًا، فقد شهدت نفس الليلة هجمات متزامنة في عدة مناطق، ما يعكس تنسيقًا عسكريًا عاليًا لدى الجماعات المسلحة:

  • سابسي (وسط الشمال): تعرّض مركز للشرطة لهجوم مسلح، أعقبه نهبٌ للمحال التجارية وحرق أجزاء من السوق.

  • سولي (الشمال) ويوندي (وسط الشرق) وبوكو: سجّلت هذه المناطق عمليات مسلحة عنيفة أسفرت عن سقوط ضحايا وأضرار مادية كبيرة.

وفقًا لمصادر أمنية، فإن الهجمات هدفت إلى إرباك القوات الحكومية وتوسيع نطاق السيطرة الميدانية للجماعات.

رابعًا: الهجوم على سيندرلا ومناطق الجنوب الغربي

في 6 أبريل 2025، شنّت جماعة “كتائب ماسينا” التابعة لنصرة الإسلام والمسلمين، هجومًا مباغتًا على موقع للقوات المسلحة في منطقة سيندرلا بولاية كينيدوغو.
الهجوم أسفر عن مقتل أكثر من 25 جنديًا، بالإضافة إلى الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة، بعد نهب المعسكر وإحراقه بالكامل.

يُعد هذا الهجوم الأوسع نطاقًا في جنوب غرب البلاد منذ بدء التمرد، ويكشف أن الجماعات المسلحة أصبحت قادرة على توسيع نفوذها إلى مناطق كانت تُعتبر آمنة نسبيًا.

 

خامسًا: الهجمات ضد المدنيين

أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن قوات حكومية وميليشيات موالية لها نفذت هجمات ضد مدنيين من إثنية الفولاني في منطقة سولنزو بين فبراير وأبريل 2025، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص.

وتم استخدام طائرات مسيّرة في بعض تلك الهجمات، بحسب تقارير أمنية، ما دفع المئات إلى النزوح نحو الحدود مع مالي، في مشهد يعكس التدهور الحاد في الوضع الإنساني.

سادسًا: محاولة انقلابية داخل الجيش – أبريل 2025

في 16 أبريل، أعلنت السلطات البوركينابية إحباط محاولة انقلاب بالتعاون مع جماعات إرهابية، كانت تهدف إلى الإطاحة بالحكومة الانتقالية.
وزير الأمن، محمدو سانا، أكد أن “الانقلابيين تعاونوا مع إرهابيين داخل وخارج البلاد”، مشيرًا إلى أن التخطيط تم من ساحل العاج، وتمت مصادرة أسلحة ومعدات مرتبطة بالمخطط.

تعكس هذه المحاولة الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، وتؤكد هشاشة الوضع السياسي في ظل انتشار الجماعات المسلحة.

سابعًا: الأبعاد الإنسانية للأزمة

  • نزوح داخلي كبير: بسبب الهجمات المتكررة، يعيش أكثر من 2.2 مليون بوركيني كلاجئين داخل البلاد، دون خدمات كافية.

  • انهيار الخدمات: توقفت العديد من المدارس والمراكز الصحية عن العمل في مناطق النزاع، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية.

  • أزمة غذائية: تعيش مناطق الشمال والشرق حالة من انعدام الأمن الغذائي، نتيجة انقطاع الإمدادات وغياب الحكومة.

ثامنًا: مواقف الحكومة والمجتمع الدولي

  • الحكومة أعلنت استمرار العمليات العسكرية، ودعت المواطنين إلى التعاون، لكن الثقة بين السكان والسلطات لا تزال مهزوزة.

  • أدانت منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة و”هيومن رايتس ووتش”، الانتهاكات ضد المدنيين من قبل كل الأطراف، ودعت إلى فتح تحقيقات مستقلة.

  • روسيا تعهّدت بتوسيع التعاون العسكري بعد زيارة تراوري، في حين دعا الاتحاد الإفريقي إلى ضبط النفس والبدء بحوار سياسي شامل.

تعيش بوركينا فاسو على وقع أزمة أمنية غير مسبوقة، تزداد تعقيدًا مع تدهور الثقة بين المواطنين والجيش، وتصاعد الهجمات المسلحة، وانقسامات داخل المؤسسة الحاكمة.
إن استمرار هذا المسار دون حلول جذرية يشكّل تهديدًا وجوديًا للدولة، ويستدعي استجابة دولية عاجلة ومبادرات داخلية حقيقية للإصلاح السياسي والمصالحة المجتمعية.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى