منوعات

“550 طلب استرداد في حلب: مهجرون يخوضون معركة طويلة ضد الغصب العقاري”

كتبت/ مي عبد المجيد 

مع انكشاف خيوط الفساد العقاري بعد سنوات من الصراع، برزت في مدينة حلب ظاهرة بيع وشراء عقارات باستخدام وثائق مزوّرة، مع غياب أصحاب الحقوق الأصليين. وتفتح هذه القضايا الباب مجددا أمام سؤال: كيف يمكن استرداد ما سُلب عنوة خلال الحرب والتهجير؟

في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، كشفت لجنة معالجة حالات الغصب العقاري في حلب أن عدد الطلبات المقدمة لاستعادة ممتلكات مسلوبة بلغ 550 منزلاً، و385 عقارًا صُدّر إلى قيادة الشرطة في المحافظة، من بينها 172 قضية واردة من القيادة نفسها. 

وفيما تم اتخاذ قرارات بإزالة الغصب عن 46 منزلاً فقط، أُحيلت 12 قضية إلى القضاء المدني، بينما لا تزال عشرات الحالات الأخرى طيّ الإهمال أو التعتيم، وسط صعوبات في التبليغ والمتابعة القانونية.

درية المنصور: منزلنا بيع زورًا ونحن في المنفى

درية المنصور، إحدى العائدات إلى حلب من تركيا، فوجئت عند عودتها إلى حي طريق الباب بشخص غريب يقيم في منزلها بعد أن قام بصيانته. وعند الاستفسار، تبيّن أنه اشترى العقار بموجب عقد مزوّر، دون علم أو موافقة من عائلتها. تقول درية: “بعد مشادة كلامية، وبدلاً من إنصافنا، تم الإبلاغ عني وابني بتهم القدح والذم، واضطررنا للذهاب إلى الأمن لإثبات ملكيتنا”.

ورغم تسليم المنزل إليها مؤقتاً، لم تنتهِ المعركة القانونية، حيث بادر المعتدي إلى رفع دعوى حيازة قضائية عبر محاميه، ما جعل مصير المنزل معلقًا بيد القضاء. تضيف درية: “هذا منزل طفولة أبنائي، ولا زلت أقاوم بكل ما أستطيع لاسترداده بشكل نهائي”.

قضية أخرى أثارت ضجة، كان بطلها منزل الراحل إبراهيم منافيخي، وهو أحد رموز الثورة في حلب. الإعلامي أسيد الباشا، وهو من أقارب منافيخي، نشر فيديو مصوّر تحدث فيه عن الاستيلاء على المنزل، قائلاً: “كيف يُترك بيت من ضحى بحياته في سبيل الحرية ليكون عرضة لابتزاز الشبيحة؟ بينما يقف مخفر الحمدانية إلى جانب المعتدي؟”.

ورغم نجاح العائلة في استعادة العقار مؤقتاً، رفع المعتدي دعوى ضد أسيد الباشا بتهمة الشروع بالقتل، كما حاول مجددًا عبر لجنة معالجة الغصب العقاري استرجاع المنزل، في تكرار لسيناريو التزوير المغطّى رسميًا.

محامون يوثقون شبكات تزوير منظّمة

المحامي عبدو فاروق عبد الغفور من حلب أكد أن ظاهرة تزوير عقود البيع تمتد إلى عشرات الحالات، مستغلّة غياب المهجّرين، ومتورطة فيها شبكات من السماسرة تشمل موظفين في الدوائر العقارية، ومحامين، وقضاة. وأوضح أن معظم هذه الحالات وقعت في الأحياء التي كانت تحت سيطرة المعارضة، حيث حدثت موجات تهجير جماعية.

وقال عبد الغفور في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا: “تولينا عدة دعاوى لإبطال عقود مزوّرة واستعادة الحيازة، بعضها ما زال في أروقة القضاء، والبعض الآخر حُسم عبر لجنة معالجة الغصب العقاري”. لكنه أشار إلى أن الطريق ما زال طويلاً، حيث يواجه الضحايا إجراءات معقدة ومماطلة قد تمتد لسنوات.

نزيف قانوني وغياب العدالة الشاملة

كثير من المهجّرين الذين عادوا تفاجؤوا بأشخاص غرباء يقطنون منازلهم، بعضهم مدنيون استولوا عليها أثناء غياب المالكين، وآخرون مدعومون من مجموعات مسلحة أو جهات متنفّذة في عهد النظام السابق. وفيما نجح بعضهم في استعادة ممتلكاتهم بموجب توصيات اللجنة، لا يزال آخرون عالقين في متاهات قضائية لا تنتهي.

وتُعد هذه الممارسات، بحسب المادة 768 من القانون المدني السوري، اعتداءً صارخًا على حق الملكية، الذي ينص على أن “لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”.

في ظل غياب آلية قضائية نزيهة وسريعة، تبقى معركة استعادة الأملاك المسلوبة في حلب ساحة مفتوحة للظلم والتجاذب، حيث يقاتل المهجّرون على جبهتين: استعادة الحجر، وحماية الحق.

 

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى