أخبار العالم

صفقة تجارية بين أمريكا وأوروبا: استثمار بمليارات الدولارات في ظل بقاء الرسوم الجمركية

القاهرة: هاني كمال الدين  

في خطوة مفاجئة وغير مكتملة المعالم، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا، التي وُصفت بأنها “ضخمة”، رغم أن أحد أهم مطالب الأوروبيين – إلغاء الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم – لم يُدرج ضمن الاتفاق. الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا تُعد تطورًا استراتيجيًا يحمل مؤشرات تعاون اقتصادي، لكنه لا يخلو من الغموض والانقسامات.


ملامح الصفقة: فتح أسواق بلا رفع للقيود الجمركية

في نهاية يوليو، أعلنت واشنطن وبروكسل توصلهما إلى الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا، والتي اعتبرها الرئيس الأمريكي “إنجازًا تاريخيًا” سيعيد رسم العلاقة الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي. غير أن صحيفة The New York Times كشفت أن الصفقة لا تشمل إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم بنسبة 50%، والتي كانت قد فُرضت إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

وقالت الصحيفة صراحة:

“الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الصلب والألومنيوم ليست جزءًا من الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا.”

هذا الاستثناء أثار علامات استفهام واسعة لدى الخبراء، إذ كانت بروكسل تتوقع أن يشكل إلغاء الرسوم أحد بنود الاتفاق الجوهرية.


إعلان رسمي… بلغة مبهمة

خلال لقائه مع رئيسة المفوضية الأوروبية في إسكتلندا، صرّح الرئيس الأمريكي أن بلاده توصّلت إلى “صفقة ضخمة” مع الاتحاد الأوروبي تشمل فتح الأسواق وإلغاء الرسوم الجمركية على مجموعة من السلع.

لكن المفارقة أن التصريحات الرسمية لم تتضمن أي إشارة إلى الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم، وهي التي كانت تشكل عقبة حقيقية في العلاقات التجارية بين الطرفين.

الرئيس الأمريكي قال في بيانه:

“اتفقنا على فتح الأسواق وتسهيل التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا بدون رسوم جمركية على معظم القطاعات.”

لكن صحيفة نيويورك تايمز أوضحت أن هذا الكلام لا يشمل الحديد والألومنيوم، وهما من أهم صادرات أوروبا الصناعية إلى الولايات المتحدة.


واقع الصفقة: استثمارات ضخمة مقابل التنازلات

رغم ذلك، فإن الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا لم تأتِ دون فوائد اقتصادية واضحة. حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بشراء طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار، إضافة إلى ضخ استثمارات أوروبية في السوق الأمريكية تبلغ 600 مليار دولار، وهو ما يمثل انتعاشة غير مسبوقة للاقتصاد الأمريكي، خاصة في قطاعي الطاقة والتكنولوجيا.

بهذا المنظور، فإن الولايات المتحدة تُحقق مكاسب فورية وملموسة، دون تقديم تنازلات حقيقية على صعيد الرسوم الجمركية.


أوروبا تخسر الجولة؟

يرى محللون أن الصفقة تُظهر نوعًا من الانحياز لصالح واشنطن، فبينما يُضخ المال الأوروبي داخل الاقتصاد الأمريكي، ويُفتح باب شراء الطاقة الأمريكية، فإن الرسوم على الحديد والألومنيوم – التي تُكبد الصناعة الأوروبية خسائر كبيرة – لا تزال قائمة.

ويعتقد خبراء أن الاتحاد الأوروبي رضخ للضغوط الأمريكية مقابل الحصول على “وعود سياسية” قد تتبلور لاحقًا إلى إلغاء الرسوم، دون ضمانات مكتوبة في هذه المرحلة.


التوقيت السياسي للصفقة

جاءت الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا في توقيت سياسي حساس، حيث تسعى واشنطن إلى تأكيد ريادتها العالمية بعد سلسلة من التوترات مع حلفائها خلال إدارة ترامب. وفي ذات الوقت، تحتاج أوروبا إلى شراكة اقتصادية قوية مع أمريكا لتقليل الاعتماد على الصين وروسيا في مجالات الطاقة والصناعة.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة استخدمت هذا التوقيت كورقة ضغط، واستثمرته لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية كبيرة، مقابل تقديم الحد الأدنى من التنازلات.


مستقبل الرسوم: هل يُلغى الجمركي لاحقًا؟

تبقى الرسوم المفروضة على الصلب والألومنيوم واحدة من أكثر النقاط حساسية في الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا. فبينما لم يتم إلغاؤها رسميًا، فإن التصريحات الصادرة من الجانبين تشير إلى وجود نوايا مستقبلية لإعادة التفاوض حولها.

لكن تلك النوايا تبقى مرهونة بمتغيرات كثيرة:

  • مدى التزام الولايات المتحدة بإعادة النظر في سياسة ترامب الحمائية

  • قدرة الاتحاد الأوروبي على الضغط بشكل موحد

  • تغيرات السوق العالمية في أسعار المعادن


مصالح متبادلة ولكن غير متوازنة

إذا كان الهدف من الصفقة التجارية بين أمريكا وأوروبا هو تعزيز العلاقات الاقتصادية، فإن بنودها تُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة خرجت بالمكاسب الأكبر. في المقابل، اكتفت أوروبا بالحصول على وعود سياسية، مع التزامات اقتصادية ضخمة تجاه السوق الأمريكي.

وهذا يدفع إلى التساؤل:

هل كانت أوروبا بحاجة ماسة إلى هذه الصفقة لدرجة تجاهل الرسوم؟ أم أن الملف سيُعاد فتحه لاحقًا ضمن إطار أوسع من التفاهمات؟


أرقام الصفقة في سطور:

  • رسوم الصلب والألومنيوم: 50% – لا تزال قائمة

  • قيمة صادرات الطاقة الأمريكية إلى أوروبا: 750 مليار دولار

  • قيمة الاستثمارات الأوروبية المتوقعة في أمريكا: 600 مليار دولار

  • القطاعات المستفيدة: الطاقة، التكنولوجيا، الأمن الغذائي

  • الدول المعنية: الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي كافة

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى