تقارير

الاسم والمهنة والعقوبة.. نشر بيانات المدانين بـ «شيكات مضروبة» يكرّس العدالة والردع

في قاعة المحكمة، جلس المتهم صامتا، فيما كانت قضية قيد النظر لم تبدأ بنزاع تجاري معتاد، بل بورقة صغيرة تحمل أرقاما تناقض ما هو مكتوب بالحروف.. شيك محرر بطريقة أغلقت بابه في البنك وفتحت عليه الأبواب في المحاكم.

أدين المتهم بكتابة شيك بسوء نية، بشكل جعله غير قابل للصرف قانونا، وعاقبته المحكمة الجزائية بغرامة مالية، لكن أضيف إلى العقوبة إجراء إضافي وهو إلزامه بنشر ملخص الحكم الصادر ضده في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار باللغتين العربية والإنجليزية، على أن يتضمن النشر اسمه ومحل إقامته ومهنته والعقوبة الموقعة عليه، بالإضافة إلى حرمانه من الحصول على دفاتر شيكات جديدة لمدة سنة. ابتداء من نهائية الحكم.

وقال خبراء قانونيون واقتصاديون إن الكثيرين لا يعلمون بوجود هذا الإجراء العقابي الذي يوفر رادعاً إضافياً للمتورطين في قضايا تحرير الشيكات بسوء نية، لحماية النظام الاقتصادي والمصرفي وتعزيز حقوق الأفراد.

وأضافوا أن نشر اسم المحكوم عليه ومكان إقامته ومهنته يساهم في تحذير أفراد المجتمع من التعامل مع هذا الشخص دون الحصول على الضمانات الكافية. كما يرسخ مبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون بغض النظر عن الجنسية أو المنصب أو أي اعتبارات أخرى، مما يرفع مستويات ثقة المجتمع بعدالة النظام القضائي.

واقترحت الخبيرة المصرفية الدكتورة عواطف الهرمودي إدراج أسماء المتورطين في تحرير الشيكات بسوء نية على منصة رسمية معتمدة مثل موقع البنك المركزي يمكن تدقيقها من قبل المستفيدين قبل قبول الشيكات لتوفير ضمانات إضافية تحميهم من التلاعب بهذه الأداة المهمة.

وتفصيلاً، ألزمت المحاكم في الدولة المحكوم عليهم في قضايا تحرير شيكات بسوء نية، بنشر ملخص الأحكام الصادرة بحقهم في الصحف اليومية واسعة الانتشار باللغتين العربية والإنجليزية، على أن يتضمن النشر اسم المحكوم عليه ومحل إقامته ومهنته والعقوبة الموقعة عليه.

وتضمنت الحالات التي رصدتها «الإمارات اليوم» عقوبة الشخص الذي تعمد كتابة شيك بشكل غير صحيح، إذ كتب المبلغ مكتوباً بأرقام مختلفة عما هو مكتوب بالحروف، ما جعله غير قابل للصرف قانونياً.

وعندما ذهب صاحب الشيك إلى البنك علم بالحقيقة، فبادر بإبلاغ الشرطة بالواقعة، وتم تحرير محضر جنائي ضد كاتبه. تمت إدانته ومعاقبته بغرامة. وأضافت المحكمة إجراء جزائيا، يتمثل في إلزامه بنشر الحكم الصادر ضده في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار باللغتين العربية والإنجليزية، على أن يتضمن النشر اسمه ومحل إقامته ومهنته والجزاء الموقع عليه، إضافة إلى حرمانه من الحصول على دفاتر شيكات جديدة لمدة سنة تبدأ من تاريخه النهائي. الحكم.

وواصل المستفيد من الشيك رحلة التقاضي، حيث وصل إلى المحكمة المدنية في دبي، مطالباً باسترداد المبلغ المستحق له من قيمة الشيك، والذي يتجاوز مليوني درهم، وقضت المحكمة له بذلك، بالإضافة إلى تعويض بقيمة 50 ألف درهم.

كما عوقب شخص آخر من جنسية عربية بغرامة مالية لقيامه بكتابة شيك بسوء نية، حيث علم عند إصداره باستحالة صرفه، نظرا لأن الحساب مغلق، أو تم سحب الرصيد بالكامل، أو تم تجميد الحساب قبل تقديمه. وتطلب نفس الإجراء نشر اسمه ومعلوماته.

وفي السياق ذاته، أدانت محكمة جنح دبي آسيوياً بتهمة إعطاء شيك بسوء نية، وعاقبته بغرامة قدرها 250 ألف درهم عما خصص له. وأمرت بنشر ملخص الحكم على نفقة المحكوم عليه في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار في الدولة، إحداهما باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية، أو في مطبوعتين إلكترونيتين، على أن يتضمن النشر اسم المحكوم عليه ومحل إقامته ومهنته والعقوبة. كما أمرت بسحب دفتر الشيكات منه. ومنع من إعطاء كتب جديدة لمدة سنة تبدأ من الحكم النهائي.

من جهتها، قالت الخبيرة المصرفية الدكتورة عواطف الهرمودي لـ«الإمارات اليوم» إنه في ظل التعديلات التشريعية على قانون الشيك، كان لا بد من إيجاد بدائل لردع المتورطين في إعطاء شيك بسوء نية، لضمان الحفاظ على قوة الشيك كأداة للدفع.

وأضافت أن نشر اسم المحكوم عليه في الصحف قد يكون رادعا للكثيرين عن إساءة استخدام الشيك، لكنها تقترح إجراء إضافيا أقرب إلى قاعدة بيانات تحمي الأشخاص الذين يقبلون الشيكات في سياق المعاملات المالية، وهو إدراج أسماء غير الملتزمين أو المتورطين في ارتكاب جرائم الشيكات على منصة رسمية يمكن أن تكون موقع البنك المركزي، حتى يمكن استخدامها والتحقق من الأسماء قبل قبول أي شيك.

وأشارت إلى أن الخبر يبقى في الصحيفة لمدة يوم واحد فقط، وقد لا يلاحظه الكثير من الناس، لكن إدراج الأسماء على منصة معتمدة من شأنه أن يوفر الردع والحماية في نفس الوقت.

وأضاف الهرمودي أنه من الضروري أيضاً وضع سقف محدد للمبالغ التي يمكن اتخاذ هذا الإجراء العقابي بحق أصحابها، كقيمة الشيك التي تتجاوز 100 ألف درهم مثلاً.

من جانبه، قال المحكم والمستشار القانوني محمد نجيب، إن الشيك يمثل أهمية كبيرة في المعاملات التجارية سواء بين الشركات أو المؤسسات أو الأفراد، كأداة للوفاء بدلاً من النقود، لافتاً إلى أن التعديلات التي طرأت على قانون المعاملات التجارية بشأن عدم تجريم إصدار شيك بدون رصيد أثارت في البداية بعض المخاوف من فقدانه لسلطته كأداة لسداد الديون، إلا أنه ثبت من خلال التطبيق أنه يتماشى مع المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، ويمنح حامل الشيك خيارات أفضل لجمعها والاستفادة منها.

وأضاف أنه في ظل القانون الحالي لم تعد هناك حاجة لتقديم شكوى أو فتح بلاغ لدى الشرطة واتخاذ الإجراءات اللاحقة في النيابة أو المحاكم، حيث يعتبر الشيك الصادر بدون رصيد سند تنفيذي يمكن تحصيل قيمته باللجوء مباشرة إلى قاضي التنفيذ، بالإضافة إلى حزمة أخرى من الإجراءات التي تضمن حق حامل الشيك.

كما أن القانون لم يلغ التجريم بشكل كامل، بل حصره في حالات محددة مرتبطة بوجود القصد الجنائي وسوء النية، مثل الغش أو الاحتيال أو تزوير الشيكات أو إغلاق الحسابات أو سحب الرصيد بالكامل، أو كتابته عمدا بشكل يمنع صرفه.

وعن إجراء نشر اسم المحكوم عليه بكتابة شيك بسوء نية، والعقوبة التي تلقاها في الصحف، أوضح نجيب أن هذا الإجراء يحقق ردعاً خاصاً للمتهم، حتى لا يكرر فعلته مرة أخرى، وردعاً عاماً لكل من تغري نفسه بارتكاب هذا الفعل.

وذكر أنه وفقاً لقانون المعاملات التجارية المدنية، فإن من لا يلتزم بهذا الإجراء أو أي إجراء جزائي آخر، كتسليم دفتر شيكاته خلال مدة 15 يوماً من تاريخ إبلاغه بالحكم، يعاقب بغرامة لا تقل عن 50 ألفاً ولا تزيد على 100 ألف درهم.

بدوره، قال المحامي والمستشار القانوني عمر العوضي، إن إلزام المتهمين الذين صرفوا شيكات بسوء نية بنشر ملخص الأحكام في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار تصدران باللغتين العربية والإنجليزية، هو أحد الإجراءات القانونية التي يمنحها المشرع للمحكمة متى رأى ذلك تحقيق مصلحة عامة أو منع تكرار الجريمة، وبالتالي فهذه ليست مجرد عقوبة إضافية ولا تهدف إلى التشهير، بل تهدف بشكل عام إلى تحقيق المصلحة العامة والخاصة. الردع، ويهدف إلى حماية النظام الاقتصادي في البلاد.

وأضاف أن نشر الحكم في صحيفتين محليتين باللغتين العربية والإنجليزية أو عبر الوسائل الإلكترونية يأتي انسجاما مع مبدأ العدالة العامة وتعزيز الشفافية وتوعية المجتمع بخطورة مثل هذه التصرفات التي تمس الثقة في المعاملات التجارية والمصرفية بين الناس. كما يرسخ مبدأ أن الجميع متساوون أمام القانون في الدولة، بغض النظر عن الجنسية أو المنصب أو أي اعتبارات أخرى، ويرفع مستويات ثقة المجتمع المحلي والدولي بعدالة النظام القضائي.

وأكد العوضي أن هذا الإجراء له تأثير رادع مزدوج. فمن ناحية يبعث برسالة واضحة لأفراد المجتمع بضرورة احترام القوانين وعدم استخدام الشيك أداة للضغط على الآخرين أو خداعهم. ومن ناحية أخرى تعتبر رادعاً للمدان، بما يحد من تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً. وأشار إلى أن مثل هذه الإجراءات والتدابير تنسجم مع توجهات الدولة في تحديث التشريعات وجعلها مرنة بما يحقق الأمن المالي والاقتصادي وتقليل مستويات الجريمة وتعزيز ثقة العملاء داخل الدولة وخارجها بالنظام. القضاء الإماراتي الذي يوازن بين العدالة والشفافية.

كما يساهم نشر الحكم في تعزيز الوعي القانوني لدى الجمهور، ويساهم في الحد من انتشار هذه الممارسات، ويرفع مستوى الثقافة القانونية في المجتمع. ويؤكد أن العدالة في دولة الإمارات تتسم بالشفافية ولا تتسامح مع أي سلوك أو فعل يخالف النظام والقانون.

أما الإجراء الثاني وهو منع المحكوم عليه من الحصول على دفاتر الشيكات لمدة عام، فقال إنه إجراء وقائي يهدف إلى الحد من إساءة استخدام الشيكات، وضمان عدم تكرار الفعل خلال فترة زمنية محددة، والجمع بين العقوبة المالية والتدابير التكميلية لتحقيق التوازن بين العقوبة والمنع.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى