تقارير

من المجاعة في إثيوبيا إلى الصراع في اليمن.. رحلة مسؤول في اليونيسف “من أجل عالم أفضل”

من المجاعة في إثيوبيا إلى الصراع في اليمن.. رحلة مسؤول في اليونيسف “من أجل عالم أفضل”     

تجربة هوكينز في اليمن ورحلته في مجال العمل الإنساني كانت حاضرة في حواره مع ميليسا فليمنِغ وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي في برنامجها “Awake at night”، الذي يتناول قضايا تؤرق مسؤولين أمميين وعاملين في المجال الإنساني. البرنامج الذي حاز على جوائز، يُبث على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني.

في هذه الحلقة، يتأمل بيتر هوكينز في الصمود المذهل للأشخاص الذين يخدمهم، ويشارك كيف علمته نشأته في إثيوبيا وخدمته في العراق ألا يستسلم أبدا في رحلته للعمل من أجل التغيير. 

نستعرض مقتطفات من الحوار بلسان بيتر هوكينز.

إصرار على التعلم رغم الدمار

قضيت في اليمن عامين ونصف. ترى الفقر في كل مكان، في عيون الأطفال وشعرهم المغبر وجلودهم.

المدارس أصابها الدمار. لذلك يذهب الأطفال إلى هناك ويجلسون في تلك الفصول الدراسية بلا جدران ولا أرضيات ولا طاولات، ويتعلمون. وهم فخورون بما يتعلمونه. 

ويقولون لي عندما أزور تلك المدارس: “انظر، لا تقلق. سنواصل التعلم. ولكن إذا استطعت تزويدنا بطاولات، وبناء الجدران، وتوفير أرضية وسبورة، فسنكون أفضل”.

ما تمكنا من فعله خلال الأشهر الثلاثة الماضية هو توفير 23,000 طاولة في جميع أنحاء المنطقة الشمالية. لقد كان إنجازا هائلا. تم تأهيل 1116 مدرسة في جميع أنحاء اليمن من خلال برنامج تعليمي رائع.

كنت في مدرسة أصابها الدمار بالكامل حيث كان هناك أولاد وبنات، وهو أمر غير معتاد في هذا السياق. دخلت فصل الأولاد، وكان متضررا للغاية. كان السقف متكئا على عصاة واحدة. نظرتُ إلى هؤلاء الأطفال هناك وفكرتُ: إذا وقع خطب ما، ماذا سيحدث لهؤلاء الأطفال؟ لكن من ناحية أخرى، كانوا جميعا يبتسمون ويتعلمون.

خرجتُ من هناك فإذا بي أجد 12 فتاة جالسات على الأرض بجانب شجرة معلق عليها سبورة. وكانت إحداهن تحمل طفلها معها. كن في الصف الحادي عشر.

بيتر هوكينز، ممثل اليونيسف في اليمن، ينضم إلى تلاميذ في زراعة بعض الأشجار في ساحة مدرسة الشعب في صنعاء، اليمن في 2024.

تحديد الأولويات

في اليمن هناك العديد من القضايا التي يجب التعامل معها أثناء العمل هناك، لكنني أعتقد أن أكبرها خلال العامين الماضيين كان انهيار النظام المصرفي. لقد أضر هذا حقا بطريقة عملنا.

وتم احتجاز موظفينا من الأمم المتحدة. وهذا يخلق حالة من عدم اليقين بشأن سلامة وأمن موظفينا.

والأمر الآخر يتعلق بتقليص التمويل وخفض المساعدات الإنسانية. لكن بالنسبة لي، هذا هو الأسهل معالجة. فالأمر يتعلق بتحديد الأولويات. ما يجب أن ندافع عنه هو ضمان حصول الأطفال الأكثر ضعفا والنساء والفتيات والفتيان الأضعف على الخدمات والوصول إليها.

وكيل محافظة مأرب عبدربه مفتاح برفقة مدير مكتب الصحة أحمد العبادي وممثل اليونيسف بيتر هوكينز يتفقد أحد اللقاحات داخل غرفة التبريد في مكتب الصحة العامة بمحافظة مأرب، اليمن.

وكيل محافظة مأرب عبدربه مفتاح برفقة مدير مكتب الصحة أحمد العبادي وممثل اليونيسف بيتر هوكينز يتفقد أحد اللقاحات داخل غرفة التبريد في مكتب الصحة العامة بمحافظة مأرب، اليمن.

قصة بدأت في إثيوبيا

ولدت في شرق لندن، وذهب والداي إلى إثيوبيا. قضيت ما يقارب 28 عاما من حياتي في إثيوبيا، حيث كنا نعيش وندرس. ثم التحقتُ بالمدرسة الثانوية والجامعة في لندن، لكنني كنت أعود إليها باستمرار.

كان والدي ووالدتي محاسبين قانونيين، وأسسا شركتهما الخاصة، شركة تدقيق حسابات في إثيوبيا. ومن بين الأمور التي قاما بها كشركة العمل على بعض الحسابات الخيرية. وكان أحدها لمستشفى لعلاج الناسور.

كلفتني والدتي بإدارة حسابات تلك المستشفى. لقد كانت تجربة رائعة بالنسبة لي وأنا شاب أن أقوم على حسابات هذا المستشفى. ثم أصبح والدي رئيسا لمجلس الإدارة. وبعد وفاته، أصبحت عضوا في المجلس.

هذه الأشياء هي التي تصنع المرء. المزيج بين العمل الخيري لوالدي ورغبة والدتي في النجاح وإدارة الأعمال بكفاءة.

حظيت بشرف العودة فورا بعد الجامعة للعمل خلال المجاعة في شمال إثيوبيا. لذا فإن إثيوبيا تمثل كل ما يؤثر بي، ويحفزني، ويفيدني. علمني عملي هناك أنه يمكنك تحقيق النجاح، وضمان بقاء طفل على قيد الحياة، وضمان بقاء الناس على قيد الحياة.

الالتحاق باليونيسف والانجذاب إلى التعددية

قبل الالتحاق بمنظمة اليونيسف عام 2015، كنت أعمل في الحكومة البريطانية. وكانت التعددية مصدر جذب كبير لي. ومن المفارقات أن هناك اليوم هجوما على التعددية. هذا أمر محزن. لكنني أفضل أن أكون داخل المجتمع متعدد الأطراف لأدافع عن قدرتنا على الاستجابة للمواقف بدلا من البقاء خارجه.

أعتقد أن التعددية مهمة لأنها القيمة التي حفّزت العالم على التكاتف بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تأسست الأمم المتحدة عام 1948، وما بعد ذلك.

ما نأمله هو أن نبتعد عما نحن عليه اليوم. علينا إيجاد نظام عالمي جديد. القيم التي قامت عليها الأمم المتحدة تحتاج إما إلى تطبيقها أو تعديلها لإيجاد نظام عالمي مختلف. أنا متفائل، لكن الأمر سيستغرق وقتا.

ذكريات من العراق

بعد الالتحاق باليونيسف عملت في العراق منذ 2015. وهناك العديد من المواقف التي لا تنسى عندما كنت هناك.

بعد هزيمة تنظيم داعش في الموصل مباشرة. كنت أسير في أحد الشوارع مرتديا سترتي وخوذتي، ورأيت طفلين يلعبان. اقتربت منهما، لكنهما خافا وركضا عائدين إلى منزلهما.

تبعتهما إلى منزلهما. كانت جدتهما في المنزل، سألتها إن كان بإمكاني الدخول، فأذنت لي. جلسنا هناك وتحدثنا، وتحدثت مع الطفلين. لم يغادرا منزلهما لثلاث أو أربع سنوات. كانت هذه أول مرة يخرجان فيها للعب. كانا يتلقيان تعليمهما في المنزل، ولم يريا بالغين آخرين. لكن عندما التقاني وتحدثا معي، أدركا أن في هذه الدنيا خيرا.

من الأرشيف: آبار النفط في القيارة بالعراق التي أضرم فيها النار أعضاء تنظيم داعش أثناء انسحابهم.

© UNICEF/Alessio Romenzi

من الأرشيف: آبار النفط في القيارة بالعراق التي أضرم فيها النار أعضاء تنظيم داعش أثناء انسحابهم.

جعل العالم مكانا أفضل

عندما كنت في كوريم، بؤرة المجاعة في أثيوبيا، في كل فجر، كنت أصعد إلى السهول وأتجول حيث كان 100 ألف شخص يعيشون في خيام. وأنا أتجول هناك كنت أصادف إما أما تحمل طفلها الميت أو زوجا يحمل زوجته الميتة. كانت تغمرني مشاعر التأثر.

إذا غمرتك هذه المشاعر، فلن تستطيع فعل أي شيء للمساعدة. لذا كان عليك أن تتراجع قليلا وتقول: “حسنا، لقد مات ذلك الطفل، تلك الأم، ذلك الأب اليوم. كيف يمكنك منع ذلك غدا؟” لذا، كل ما نفعله هو من أجل البقاء اليوم وغدا، مع التطلع إلى المستقبل لنرى ما يمكننا فعله لجعل هذا العالم مكانا أفضل، والمساهمة ولو بجزء يسير في تحقيق هذا.

لقد كنت محظوظا في الحياة. أحببت حياتي. لا أشعر بأي ندم. كل يوم أستيقظ وأفضل أن أبدأ في الصباح بدلا من أن أبقى مستيقظا في الليل. لا شيء يؤرقني ليلا. أشعر أن هناك شيئا يمكنني القيام به. كل شيء يبقيني مستمرا خلال النهار.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مصدر المعلومات والصور : un

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى