تقارير

«صمت الأبناء» في المناسبات.. مؤشر «صارخ» على معايشة تجارب سيئة

حذر أطباء ومتخصصون من ظاهرة «صمت الأطفال» في المناسبات، لافتين إلى احتمال وجود مخاطر خفية وراء هذا الصمت، وأوضحوا لـ«الإمارات اليوم» أنه مؤشر خطير قد يخفي أبعاداً نفسية واجتماعية. وأرجعوا ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية: النفسية، والتنموية، والأسرية، والاجتماعية.

وأشاروا إلى أن الأسباب النفسية والتنموية تشمل القلق، والخجل الشديد، والرهاب الاجتماعي، والخرس الانتقائي، وطيف التوحد، بالإضافة إلى آثار الصدمات النفسية مثل التنمر، أو التحرش، أو الإذلال المستمر، أو الإقصاء الاجتماعي.

وتشمل الأسباب العائلية الخلافات بين الوالدين، أو قلة الحوار والدعم العاطفي، أو الخوف من نقل المشاكل المنزلية في التجمعات، بالإضافة إلى مشاعر الارتباك، بسبب المنافسة أو الانقسام العاطفي بين الوالدين.

أما لأسباب مجتمعية وثقافية، فمنها الفجوة اللغوية الناتجة عن التعليم الأجنبي، أو اعتماد الأسر على مربيات غير ناطقات باللغة العربية، إضافة إلى الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، وغياب التفاعل الطبيعي مع الأقران والأسرة.

وتفصيلاً، قالت الأخصائية النفسية الدكتورة ريهام عمار، إن تفسير صمت الأطفال في التجمعات العائلية تغير بشكل كبير مع تطور أساليب التربية والانفتاح المجتمعي. “في الماضي، كان يُنظر إليه بحضور الكبار على أنه سلوك محمود يدل على الخجل والتواضع، ويعتبر من علامات التربية الصالحة. أما اليوم، مع التغيرات الثقافية والانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع، لم يعد الصمت له نفس المعنى، بل يقدم كعلامة تتطلب الاهتمام، خاصة إذا صاحبها قلق أو انطواء أو ضعف في المهارات الاجتماعية”.

وأضافت: “أصبحت البيئة الحالية غنية بالتفاعل، مما يكسب الأطفال مهارات التعبير والتواصل منذ سن مبكرة”. ولذلك فإن صمت الطفل في بعض السياقات الاجتماعية قد يكون مؤشراً على حالة تتطلب التقييم النفسي.

وأوضحت أن الخجل الطبيعي يقل تدريجياً مع الألفة، وغالباً ما يظهر في المواقف الجديدة ويختفي تدريجياً، أما الرهاب الاجتماعي فهو أكثر عمومية، حيث نجد الطفل يلتزم الصمت مع أهله وأصدقائه وأقاربه وفي المدرسة. وتابعت: “حتى لو كانت البيئة مألوفة له، تظهر عليه أعراض القلق والتوتر، ولا يستطيع التحدث بسهولة، وهذه حالة مختلفة عن الصمت الاختياري، حيث يتحدث الطفل بطلاقة في مواقف معينة، ويصمت تمامًا في مواقف أخرى، وغالبًا ما يرتبط بأشخاص أو أماكن محددة”.

وشددت على وجود معايير نفسية واضحة يمكن من خلالها تحديد ما إذا كان الصمت سلوكا عابرا أو مؤشرا لحالة تتطلب التدخل العلاجي، ومنها: إذا كان الصمت يعطل أداء الطفل الأكاديمي أو يحد من اندماجه الأسري والاجتماعي، أو إذا كان مصحوبا بأعراض مثل القلق أو الحزن أو التعرق أو الارتعاش أو التأتأة في الكلام.

وحذرت من أن الصمت قد يكون في بعض الأحيان رد فعل نفسي لتجربة ضارة، مثل التنمر أو التحرش.

وأوضحت أن الصمت قد يكون وسيلة للتعبير عن الحزن أو الغضب غير المعبر عنه، وأحيانا يبدو كصمت انتقائي، وهو ما يتطلب من الوالدين الانتباه وملاحظة أي تغيير في سلوك الطفل.

ودعت إلى تعزيز ثقة الطفل بنفسه، من خلال توفير بيئة آمنة يشعر فيها بالحب والقبول بعيداً عن النقد، مؤكدة ضرورة تقدير محاولاته الصغيرة، وتحفيزه على التواصل، والاندماج الاجتماعي، والتعبير عن مشاعره دون انتقاد، وتعليمه مهارات التواصل البسيطة، ومنحه فرص اتخاذ قرارات صغيرة لتعزيز استقلاليته وثقته بنفسه، ودعم تفاعله الاجتماعي.

الفجوة الثقافية

قالت الخبيرة التربوية والمستشارة الأسرية الدكتورة أمينة الماجد، إن صمت الأطفال في المناسبات الخاصة، خاصة عندما يصاحبها قلة المشاركة أو الرد المتوتر على الأسئلة، قد يشير إلى مشاكل أسرية أعمق، مما يؤثر على ثقة الطفل بنفسه، ويؤثر سلباً على تفاعله الاجتماعي.

وقالت إن الكثير من الأطفال اليوم يصمتون لأنهم يخافون من ردود أفعال الوالدين، أو لأنهم يشعرون أن كلامهم قد يجذب اللوم، أو قد يحاسبون عليه لاحقاً.

وأضافت أن الطفل الذي يرى والديه في حالة توتر دائم، أو يعيش في بيئة أسرية يسودها الصمت الزوجي أو الخلافات، يفقد الأمان، ويخاف من التحدث أمام الآخرين، حتى لا ينكشف مشاكل داخل المنزل، أو يسيء تمثيل أسرته أمام الآخرين.

وأكدت أن من أسباب الصمت أيضاً الفجوة اللغوية والثقافية التي تتسع مع التعليم المبكر للأطفال في المدارس الأجنبية، واعتمادهم على اللغة الإنجليزية في التواصل، ما يجعلهم يفتقدون طابعهم الثقافي المميز ويستخدمون تعبيرات غير مألوفة في وسطهم الثقافي.

وقالت: “نرى أطفالاً في سن 15 عاماً لا يستطيعون التحدث بلغتهم الأم، ولا يحفظون المفردات الاجتماعية التي تستخدم تلقائياً في بعض المواقف، فهم لا يعرفون كيف يستقبلون الضيوف مثلاً، ولا كيف يردون على الأسئلة الموجهة إليهم، لأن تعليمهم كان بالكامل باللغة الإنجليزية، وكانت تربيتهم معزولة عن البيئة الثقافية”.

ولفتت إلى أن “تربية الأطفال على يد عاملات منزليات غير ناطقات باللغة العربية، وعدم وجود أقران لهم نفس الهوية والبيئة حولهم، يضاعف حجم المشكلة، بسبب هشاشة ارتباطهم بمجتمعهم لغوياً وثقافياً”.

وأضافت: “الأسر الصغيرة أصبحت منغلقة على نفسها، وأصبحت الزيارات بين الأهل والأقارب نادرة، ما يحرم الأطفال من التواصل مع أقاربهم ومعارفهم، ومن فرصة ممارسة العادات والتقاليد التي تكتسب بالتفاعل”.

ولفتت إلى أن «التوتر الأسري، أو التنافس بين الزوجين على من هو الأقرب إلى الأبناء، قد يربك الطفل ويشعره بالضياع والانقسام العاطفي، فيفضل التزام الصمت والابتعاد عن المواقف الاجتماعية».

وأكدت أن صمت الطفل إذا ترك دون مراقبة قد يتحول إلى انطواء مزمن، ويجعله مستقبلاً شخصاً يخشى التحدث أمام الناس ويفتقر إلى الثقة والقدرة على التفاعل.

وشددت على أن علاج هذا السلوك يبدأ بالملاحظة والانتباه لأية تغييرات تطرأ على الأطفال، وتجنب الخلافات الزوجية أمامهم، وعدم إشراكهم في أي صراعات، وتهيئة بيئة حقيقية للطفل من خلال تشجيعه على اللعب والتفاعل مع أقرانه وأفراد مجتمعه، وغرس المفاهيم الاجتماعية من خلال القدوة والممارسة اليومية، وإشراكهم في الأنشطة الاجتماعية التي تعزز هويتهم وتزيد ثقتهم بأنفسهم.


التكنولوجيا الحديثة

أكدت استشارية طب الأطفال الدكتورة أمل الجابري أن التكنولوجيا الحديثة، وتعريض الطفل لمشاهدة التلفاز وغيره من الأجهزة والشاشات الذكية،

ساعات العمل الطويلة تسبب نقصاً في مهاراته الاجتماعية، مما يجعله غير قادر على الاندماج ومواكبة التفاعلات، ويجعله يصمت في التجمعات العائلية.

وأضافت أن العالم الافتراضي يجعل الطفل يخلق عالماً افتراضياً من الأصدقاء والاهتمامات والمشاركة، مما يفقده الاهتمام بالعالم الحقيقي.

وأوضحت أن جمعية طب الأطفال الأمريكية حددت الطرق الرئيسية التي تؤثر بها التكنولوجيا على نمو الطفل، وأهمها أن الوقت الذي يقضيه أمام الشاشات يقلل من فرص التفاعل اللفظي والاجتماعي مع والديه، فيما أثبتت الأبحاث أن هناك علاقة مباشرة بين تطور لغة الطفل ومقدار الوقت الذي يقضيه الوالدان في التحدث معه يوميا.

وأضافت أن الدراسات تشير إلى أن مشاهدة الأطفال للتلفزيون قبل سن ثلاث سنوات يرتبط بظهور اضطرابات النوم وتقلب المزاج، وهي عوامل تؤثر بشكل غير مباشر على تطور لغة الطفل وردود أفعاله العاطفية.

وأشارت إلى أن الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات يأتي على حساب القراءة والتفاعل مع الكتب، مما يؤثر سلباً على تطور مهاراته اللغوية والمعرفية مستقبلاً. الطفل الذي لا يعتاد على الكتب والقراءة غالباً ما يعاني من تراجع في قدراته على القراءة مقارنة بأقرانه الأقل تعرضاً للشاشات.

وذكرت أن بعض الدراسات أثبتت أن الأطفال الذين بدأوا مشاهدة التلفزيون قبل إكمال عامهم الأول، ويتعرضون للشاشات لأكثر من ساعتين يوميا، هم أكثر عرضة للإصابة بتأخر اللغة بستة أضعاف مقارنة بالأطفال الذين بدأوا مشاهدته في عامهم الثاني، حتى لو تم تسويق البرامج المعروضة على أنها تعليمية.

وحذرت من أن الصمت يصبح مقلقاً عندما يلاحظ الأهل أن الطفل لا يظهر تقدماً ملحوظاً في هذه المراحل، أو إذا توقف فجأة عن الكلام بعد أن كان يتحدث بشكل طبيعي، مبينة أن الأسباب المحتملة لذلك تتراوح بين عوامل نفسية مثل الخجل الشديد أو الصمت الانتقائي، إلى أسباب عضوية مثل اضطرابات السمع والكلام ونطق الحروف، أو اضطرابات النمو مثل طيف التوحد.

حماية الأطفال

وأكد المحامي والمستشار القانوني عيسى بن حيدر، أن صمت الأطفال، وخاصة عزلهم المفاجئ أو غير المبرر، دليل يتطلب اليقظة واتخاذ إجراءات الحماية الفورية.

وتابع أن قانون “وديمة” لحقوق الطفل نص على أن الإبلاغ واجب عام عندما يكون هناك ما يهدد سلامة الطفل، وواجب صارم على المربين والأطباء والمتخصصين. الإبلاغ إلزامي بالنسبة لهم، وعدم القيام بذلك يعرضهم للمساءلة الجنائية. كما يلزم المؤسسات التعليمية بإنشاء قنوات سرية للبلاغات، وبرامج واضحة للتعامل مع الاشتباه، ضمن سياسات حماية الطفل المعتمدة في المدارس، وبما يتوافق مع اللوائح والقواعد التنفيذية للجهات التعليمية الاتحادية والمحلية في الدولة.

وأضاف: “للطفل حقوق أصيلة في التعبير والحماية النفسية والاجتماعية، وله الحق في التعبير عن آرائه بما يتناسب مع عمره ونضجه، مع الحفاظ على كرامته وخصوصيته، ومنع أي تدخل تعسفي في حياته”. ويحظر القانون أي عمل من شأنه المساس بسلامته العاطفية أو النفسية”.

وتابع: “الإهمال أو سوء المعاملة أو التنمر أو الاستغلال من الأخطار التي تتطلب التدخل الفوري، مع ضمان سرية وحماية هوية المخبر، كما تتمتع وحدات حماية الطفل بصلاحيات التدخل الوقائي والعلاجي والتنسيق مع الأسرة والمدرسة”.

وأوضح أنه إذا ثبت أن مؤسسة تعليمية أو ولي أمر تسبب في إهمال أو ضغط نفسي في إجبار الطفل على الصمت أو أذى نفسي جسيم، تقع المسؤولية الجنائية والإدارية والمدنية. تحظر الأفعال التي تعرض سلامة الطفل النفسية للخطر، ويعتبر عدم إبلاغ المسؤولين عنها مخالفة يعاقب عليها القانون بالغرامة أو السجن. تخضع المدارس أيضًا لرقابة السلطات التنظيمية، ويمكن مساءلتها تأديبيًا وإلزامها بوضع خطط تصحيحية وتعويضات. الطرف المتضرر عندما يثبت الضرر والسببية.

علامات الصمت

– اضطراب الأداء الأكاديمي.

– ضعف الأسرة أو الاندماج الاجتماعي.

– ظهور أعراض نفسية مزعجة كالحزن، والقلق، والتعرق، والارتعاش.

– التأتأة في الكلام.

– الانسحاب المفاجئ من التفاعل، بعد أن أصبح الطفل اجتماعياً.

• العالم الافتراضي يجعل الطفل يخلق عالماً من الأصدقاء الافتراضيين والاهتمامات والمساهمات، مما يفقده الاهتمام بالعالم الحقيقي.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى