تقارير

الدول الأوروبية لديها قدرات كافية لردع أي هجوم بري روسي

وأعلنت وزارة الدفاع الرومانية، نهاية الشهر الماضي، سحب نحو 700 جندي أميركي من حدودها. ورغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أبدوا قلقهم إزاء هذا الانسحاب، إلا أن عدد الجنود لا يكاد يذكر في ميزان القوى بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في القارة الأوروبية.

ومع ذلك، حتى لو سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها البرية من أوروبا، فإن الدول الأوروبية لديها قدرات كافية لردع أي هجوم بري روسي، وينبغي لها ذلك. تعيد أوروبا اكتشاف حقيقة السياسة الدولية المتمثلة في أن إدارة الحكم الفعّالة تتطلب جهودها الخاصة لردع أي هجوم روسي.

والسؤال هو: ما الذي ينبغي عليها فعله لردع روسيا؟ ورغم أن الحرب في أوكرانيا أظهرت ضعف روسيا، فإن التاريخ مليء بحالات جيوش مهزومة تعلمت من أخطائها وأعادت تشكيل نفسها لتصبح جيوش مقاتلة أكثر قوة.

وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على الدول الأوروبية أن تحدد أهدافها العسكرية. ويجب أن تشمل هذه الأهداف ردع روسيا عن مهاجمة أراضي الناتو، وتقليل التصعيد، إذا قررت روسيا القيام بذلك.

ولتحقيق هذين الهدفين المزدوجين، يتعين على الأعضاء الأوروبيين في التحالف أن يقرروا نوع الاستراتيجية التي يريدون تنفيذها، وهي مهمة بالغة الأهمية.

ويتعين على الدول الأوروبية المتحالفة أيضاً أن تنفذ “عقيدة دفاعية”، والتي تتضمن نشر العدد الكافي من القوات الأوروبية لردع ومواجهة أي محاولات روسية للهجوم. كما أن مثل هذه العقيدة ستكون أفضل كثيراً من البديل الذي يمثله «عقيدة الردع»، الذي يتطلب اعتماد القدرات العسكرية الكافية لمعاقبة المهاجم. وبالنسبة لأوروبا، لن يكون هذا كافياً لردع روسيا، التي أظهرت استعدادها لقبول الخسائر المتزايدة.

يحتاج الناتو أيضًا إلى اتخاذ خمس خطوات لردع روسيا. ومع وضع المبدأ الدفاعي في الاعتبار، ينبغي للتحالف الذي تقوده أوروبا وصناع السياسات في الولايات المتحدة أن يتخذوا خمس خطوات لإنشاء رادع تقليدي فعال ضد روسيا لتمكين الحلفاء الأوروبيين.

أولاً: يتعين على صناع القرار في الولايات المتحدة أن يبدأوا في سحب قواتهم البرية من القارة. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية في الحلف تمتلك القدرة العسكرية لمواجهة أي عدوان روسي محتمل، إلا أن هذه الدول لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في أمنها. ومن الناحية الاستراتيجية، تواجه الولايات المتحدة مشاكل داخلية أكثر أهمية يتعين عليها معالجتها، مثل التهديدات في نصف الكرة الغربي والصين الصاعدة. ومن خلال سحب القوات البرية الأميركية من أوروبا، سيعمل صناع السياسات الأميركيون على تحفيز الدول الأوروبية على تولي أمنها.

ثانياً: يجب على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي، وهذا لا يعني مجرد الالتزام بتعهدات الإنفاق البالغة 5%. إن الالتزام بمثل هذه النسب البسيطة من الإنفاق الدفاعي إلى الناتج المحلي الإجمالي يؤدي في واقع الأمر إلى الحد من الإنفاق الدفاعي في أوروبا، لأنه يحول التركيز من تلبية الاحتياجات الأمنية الحقيقية إلى تلبية أهداف الإنفاق المتزايدة. ويتعين على حلف شمال الأطلسي أن يتخلى عن قاعدة الإنفاق الدفاعي هذه وأن يركز على الأهداف التي تؤمن أوروبا بشكل ملموس ضد أي هجوم روسي.

ثالثاً: يجب على الدول الأوروبية الحليفة تحسين قدرة جيوشها على التعبئة والانتشار بسرعة في حالة وقوع هجوم روسي. وهذا يعني تحسين بنيتها التحتية لنقل المعدات والأفراد شرقا، وتدريب المزيد من القوات، وتحسين قدرات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. إذا حاولت روسيا مهاجمة إحدى دول الناتو، فيتعين على الدول الأعضاء الأوروبية أن تكون مستعدة لنشر قواتها للقتال في أسرع وقت ممكن.

رابعاً: يجب على الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو نشر دفاعات خفيفة في منطقة البلطيق. ومع وجود روسيا وبيلاروسيا إلى الشرق، وبحر البلطيق إلى الغرب، فإن دول البلطيق لا تملك مساحة كافية لنشر وحدات مدرعة ثقيلة وأسلحة في المنطقة. وبدلاً من ذلك، فإن نشر الدفاعات الخفيفة ووحدات المشاة الخفيفة والمدفعية والأسلحة المضادة للدبابات وقدرات الدفاع الجوي من شأنه أن يبطئ تقدم الهجوم الروسي من خلال حرب المدن. وعلى الرغم من أن هذا الخيار ليس مثاليًا بالنسبة لدول البلطيق، إلا أنه الخيار الأفضل نظرًا للموقع الجغرافي للمنطقة.

خامساً: يتعين على الدول الشريكة الأوروبية أن تنشر قدرات عسكرية أثقل ــ الدبابات، ومركبات المشاة المدرعة، والألوية المدرعة والآلية، والطائرات، والدفاعات الجوية المتوسطة والبعيدة المدى ــ في مختلف أنحاء ألمانيا وبولندا. ستحقق هذه الأسلحة والوحدات العسكرية هدفين: منع التوغل الروسي العميق من بيلاروسيا إلى بولندا، والعمل كاحتياطي عملياتي في حالة قيام روسيا بمهاجمة دول البلطيق.

ولتحقيق هذه الأهداف، يتعين على حلف شمال الأطلسي بقيادة أوروبا أن ينشر هذه القوات في نمط أشبه برقعة الشطرنج في مختلف أنحاء ألمانيا وبولندا، حيث تعمل كل منهما وكأنها جزيرة للمقاومة.

إن العزوف الأوروبي عن إعادة التسلح ضد روسيا أمر مفهوم. الحرب هي واحدة من أسوأ الأشياء التي يمكن أن يأملها البشر، وقليل من المواطنين العاديين يريدون ترك أسرهم وأصدقائهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الدفاع عن بلد آخر. هناك مخاوف مفهومة من أن تؤدي إعادة التسلح في القارة إلى النزعة العسكرية والعودة إلى الأنظمة القمعية والحروب التي ابتليت بها القارة في الماضي.

ومع ذلك، تحتاج كل دولة إلى طرق لحماية حريتها ومواطنيها. إن وجود حلف شمال الأطلسي القوي لا يعني أن أوروبا سوف تصبح مفتونة بالنزعة العسكرية، وأنها سوف تتحرك مرة أخرى نحو النفوذ العسكري. ومن خلال تنفيذ هذه التدابير، يمكن الحفاظ على السلام في بقية القارة الأوروبية. حول “المصلحة الوطنية”


نقطة تحول في النهج الأوروبي تجاه الأمن

ويمثل برنامج الاتحاد الأوروبي الدفاعي الجديد الذي تبلغ تكلفته 800 مليار يورو، تحت عنوان “إعادة تسليح أوروبا”، نقطة تحول في النهج الذي تتبناه أوروبا في التعامل مع الأمن. ويركز هذا البرنامج على ثلاثة أهداف رئيسية: تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، والاستثمار في الصناعات الدفاعية الأوروبية، وضمان عقود طويلة الأجل للإنتاج العسكري، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد الاستراتيجي والابتعاد عن الاعتماد على الموردين الأمريكيين وغير الأوروبيين. وأخيرا، ضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، من خلال الحفاظ على المساعدات العسكرية لكييف وتوسيعها، حتى في غياب الدعم الأميركي.

وتسعى الخطة إلى تعديل قواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة، التي تلزم الدول بالحفاظ على عجز الميزانية أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن خلال هذا التعديل، سوف تتمكن الدول الأعضاء من زيادة إنفاقها الدفاعي بما يصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى أربع سنوات، وهو ما قد يوفر 650 مليار يورو إضافية لقطاع الدفاع الأوروبي. وتتضمن الخطة تخفيف القيود المالية على الإنفاق العسكري، ورفع القيود التي تمنع بنك الاستثمار الأوروبي من تمويل المشاريع العسكرية، مما سيسهل على الحكومات تمويل المشاريع العسكرية الكبيرة، وتصبح قادرة على دعم الصناعات الدفاعية، بما في ذلك معدات الجيش والشرطة، رغم أنها لن تمول الأسلحة والذخائر بشكل مباشر.

. ويتعين على حلف شمال الأطلسي أن يتخلى عن قاعدة الإنفاق الدفاعي وأن يركز على الأهداف التي تؤمن أوروبا بشكل ملموس ضد أي هجوم روسي.

. ورغم أن الحرب في أوكرانيا أظهرت ضعف روسيا، فإن التاريخ مليء بحالات جيوش مهزومة تعلمت من أخطائها وأعادت تشكيل نفسها فتحولت إلى قوات مقاتلة أكثر قوة.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى